اتفاقية منع التمييز بماليزيا.. استقطاب سياسي وتحذير من عودة العنف

كوالالمبور-سامر علاوي
وتواصل بذلك المعارضة الممثلة بالحزب الإسلامي (باس) والمنظمة المالايوية القومية المتحدة (أمنو) تحديها للسلطات التي رفضت التصريح بالمظاهرة، وتوعد الشرطة لقادة المعارضة الماليزية بالاستجواب بدعوى إثارة الفتنة والعنصرية.
وتشهد الساحة السياسية والشعبية الماليزية حالة استقطاب عرقي وديني شديدين منذ الانتخابات التي جرت في التاسع من مايو/أيار الماضي، وبلغت ذروتها بتدشين مؤسسات ومنظمات موالية للحكومة الحالية قبل أسابيع حملة تطالبها بالتوقيع على اتفاقية منع جميع أشكال العنصرية، وهو ما اعتبره ممثلون عن الغالبية المالايوية بأنه يستهدفها.
وقد بعثت الحكومة الماليزية إشارات بنيتها التوقيع على الاتفاقية الدولية، قائلة إن ذلك يصب في اتجاه تنفيذ البرنامج الانتخابي لتحالف الأمل الحاكم، والذي تعهد بتبني نهج المساواة بين جميع العرقيات والأديان، وإلغاء الامتيازات الخاصة بمن يعرفون بـ "بومي بوترا"، وهو مصطلح مالايوي يعني "أبناء الأرض" ويُقصد بهم سكان البلاد قبل حقبة الاستعمار.
المعارضة تصعد
وفي المقابل، أعلنت أحزاب ومنظمات مالايوية تحديها لموقف الحكومة، وهددت بالنزول إلى الشوارع لمنع إقرار الاتفاقية، وطالبت بإقالة الوزير المكلف بمتابعة شؤون الوحدة الوطنية واثيا مورثي، الذي دعا البرلمان إلى التصويت لإقرار الاتفاقية.
وعززت المعارضة مطالبها بإعادة نشر تسجيلات للوزير قبل وصوله إلى السلطة وصفت بالعنصرية وتستهدف الغالبية المالايوية المسلمة.
لكن الحكومة الماليزية صدمت الموالين لها يوم الجمعة الماضية بالتراجع عن التوقيع عن الاتفاقية، وبررت ذلك بعدم حصولها على غالبية الثلثين، إذ أن توقيع الاتفاقية يستدعي تعديل الدستور الذي ينص على أن السيادة للمالايويين ممثلين بملك البلاد وسلاطين الولايات، وأن الإسلام دين الدولة الرسمي الذي تجب صيانته.

تراجع وانتصار
وقد احتفل أنصار الحفاظ على الدستور وحماية حقوق الأغلبية بتراجع الحكومة عن التوقيع على اتفاقية منع جميع أشكال العنصرية، لا سيما المعارضة ممثلة بحزبيها الرئيسيين أمنو وباس، ورأت أن التراجع أول انتصار سياسي لها منذ خسارتها في الانتخابات.
لكن الرئيس السابق للمحكمة الفدرالية في ماليزيا عبد الحميد محمد قال إن المعركة لم تنته، وحذر من لجوء الحكومة إلى أساليب جديدة لتجريد الغالبية المالايوية من حقوقها دون التوقيع على اتفاقية منع جميع أشكال العنصرية.
خضوع للضغوط
وأما المنظمات التي دشنت الحملة لإقرار اتفاقية منع التمييز، فقد اتهمت الحكومة بالرضوخ لضغوط المعارضة، هذه الأخيرة التي حذرت من عودة العنف على غرار ما شهدته البلاد عام 1969 حين وقفت على شفا حرب أهلية.
وقال "مركز غد أفضل" إن الحكومة سلكت الطريق الأسهل، وقال غان بينغ سيو نائب رئيس المركز "إذا كانت الحكومة جادة في إقامة ماليزيا جديدة ومتقدمة فعليها المضي قدما في إثبات أن التوقيع على الاتفاقية لا يتعارض مع الدستور، وأنها قادرة على الحفاظ على الثوابت الوطنية مع مراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية".

وبعد أن كان السياسي المخضرم من أصل صيني ليم كيت سيانغ من أشد المنظرين لتوقيع الاتفاقية فقد عاد ليقول إنه لا يوجد ماليزي يرغب بأن يكون ثمن التوقيع على الاتفاقية هو العودة إلى 13 مايو/أيار الأسود، وهو اليوم الذي اندلعت فيه أعمال العنف بين المسلمين والصينيين في العام 1969.
وأعرب ليم كيت سيانغ، وهو مؤسس حزب العمل الديمقراطي الذي تهيمن عليه الأقلية الصينية، عن رغبته في تفويت الفرصة على من وصفهم بالعناصر غير المسؤولة، وقال إنها تحرض على الكراهية، وتصعد العداء بين مختلف الأعراق والديانات للوصول إلى مايو أسود جديد.
يرى كثير من المراقبين السياسيين بماليزيا أن الحكومة تفادت وضعا شبيها بالمظاهرات التي أطاحت بعمدة جاكرتا الصيني الأصل باسوكي تجاهاجا بورناما الملقب بـ "أهوك" قبل سنتين، وذلك بسبب تصريحات له اعتبرت إهانة للقرآن الكريم، وقد لا تختلف الحشود الماليزية المتوقعة للحفاظ على الهوية المالايوية المسلمة عن الحشود الإندونيسية التي أطاحت بأول عمدة من أصل صيني للعاصمة الإندونيسية.