تقسيم البيوت في بغداد.. تهديد لوجه المدينة

البيوت الكبيرة تغيب عن أحياء بغداد
البيوت الكبيرة تُزال ليحل مكانها مبان مقسمة في بغداد (الجزيرة نت)

مروان الجبوري-بغداد

قبل بضع سنوات كان شارع الأخطل بمنطقة الأعظمية بـبغداد يضم مئات المنازل الكبيرة التي تزيد مساحة الواحد منها على ألف متر مربع، حتى أنها اتخذت مستقرا لكثير من الضباط والمسؤولين والفنانين والشخصيات العامة.

غير أن الزائر للشارع اليوم يلاحظ اختفاء معظم تلك المنازل الضخمة، وتحولها إلى بيوت صغيرة يربو مساحة بعضها على 40 مترا مربعا.

ويعد هذا الشارع نموذجا لعشرات الأحياء الأخرى في بغداد، التي ضربها إعصار التهجير والانقسام الاجتماعي، فتغير شكلها وملامحها وحتى سكانها الأوائل، الذين قرر الكثيرون منهم بيع منازلهم والهجرة نحو المنافي البعيدة، بحثا عن الأمن والاستقرار.

حامد خليل أحد الذين استقروا في هذه المنطقة مؤخرا، بعدما اضطر لبيع بيته في منطقة الشعب القريبة، وقرر التوجه للأعظمية، يقول للجزيرة نت إنه باع منزله في "الشعب" المجاورة، لأسباب من بينها الاستقرار الذي تعيشه مقارنة مع مناطق أخرى.

يضيف أنه باع منزله السابق الذي كانت تبلغ مساحته 150 مترا بـ 120 مليون دينار (100 ألف دولار)، واشترى آخر في منطقته الجديدة بالمبلغ نفسه رغم أن مساحته لا تتجاوز 70 مترا مربعا.

ويقوم المنزل الجديد على أرض كانت تضم قصرا تبلغ مساحته أكثر من 1500 متر مربع، غادر أصحابه البلاد وقرروا بيعه لإحدى الشركات، التي قامت بهدمه وبناء بيوت صغيرة مكانه وبيعها، حتى أصبح المكان يشبه حيا سكنيا مصغرا، يكتظ بالسكان والبنايات.

إعلان في بغداد لبيع أراض سكنية مقسمة (الجزيرة نت)
إعلان في بغداد لبيع أراض سكنية مقسمة (الجزيرة نت)

أمر واقع
وقد دفعت الاضطرابات الأمنية التي عاشتها مناطق ببغداد في السنوات الأخيرة كثيرا من الأهالي إلى تغيير مناطق سكناهم، بحثا عن مناطق أكثر استقرارا وانسجاما من الناحية الاجتماعية، حتى لو تحملوا في سبيل ذلك خسارة مالية بسبب الفرق في أسعار العقارات بين المناطق المختلفة.

إعلان

وتشهد كثير من الأحياء البغدادية الراقية تحولا وتغيرا كبيرا في شكلها وطبيعتها، بسبب هدم البيوت الكبيرة وتقسيمها إلى بيوت أصغر مساحة، مما ينذر بنشوء أحياء كاملة وأزقة صغيرة بداخلها.

ويرى المتحدث باسم أمانة بغداد حكيم عبد الزهراء أن تقسيم الوحدات السكنية أصبح أمرا واقعا بسبب تراكم المشاكل المتعلقة بالسكن، وعدم قيام الدولة لفترات طويلة ببناء مجمعات سكنية أو توزيع قطع أراض على المواطنين.

كل ذلك دفع الأهالي إلى تقسيم هذه المساحات بعدما زاد عدد أفراد الأسرة الواحدة، رغم أن القانون العراقي لا يسمح بتقسيم الوحدة السكنية إلى أقل من 200 متر.

ويصف عبد الزهراء ما يجري اليوم بالمخالف للقانون، لذا فإن الأمانة لا تمنح إجازات البناء لمثل هذه المنازل، مضيفا أن هناك غرامات مالية وعقوبات يفرضها القانون على المخالفين، لكنها على الأغلب غير مطبقة.

ويلفت إلى أن هذه الطريقة من البناء تجبر أصحاب البيوت الجديدة على فتح منافذ متعددة على الماء والمجاري وهو ما يؤدي إلى زيادة الضغط على البنى التحتية وتضررها، كما يؤدي ذلك إلى زيادة تشويه المعالم الحضرية لمدينة بغداد وتغيير شكلها على المدى البعيد.

وبحسب المتحدث باسم الأمانة فإن في بغداد اليوم أكثر من 300 منطقة عشوائية، فضلا عن العشوائيات في حزامها، وهي من التحديات التي تواجه الحكومة، والتي يتوجب عليها تعويض سكانها بوحدات سكنية أو قطع أراض.

بيت قديم في بغداد يجري هدمه لبيع الأرض والبناء عليها (الجزيرة نت)
بيت قديم في بغداد يجري هدمه لبيع الأرض والبناء عليها (الجزيرة نت)

أسعار "جنونية"
وقد ارتفعت أسعار الأراضي في بغداد خلال السنوات الأخيرة بشكل يصفه البعض بـ"الجنوني"، وخاصة في المناطق التجارية، التي تضم مؤسسات حكومية كالمنصور والكرادة والحارثية والصالحية وغيرها.

كما أن بعض المناطق التي تشهد "سياحة دينية" ارتفعت أسعار الأراضي والعقارات فيها أيضا، مثل الكاظمية التي بلغ سعر المتر الواحد فيها مؤخرا نحو خمسة ملايين دينار (أربعة آلاف دولار).

إعلان

ويقول محمد علاوي وهو صاحب إحدى مكاتب بيع العقارات في منطقة الحارثية إن المناطق التي تضم دوائر دولة أو مجمعات وأسواقا تجارية كبيرة ترتفع فيها أسعار الأراضي والعقارات بشكل مطرد، بسبب حجم الإقبال عليها لاستتباب الأمن وتوفر سبل الحياة والعمل فيها.

ويضرب مثالا بمنطقة المنصور التي تعد أشهر المناطق التجارية في بغداد، حيث تجاوز سعر المتر الواحد فيها خمسة آلاف دولار، بحسب موقعه وقربه من الشوارع الرئيسية والمجمعات التجارية.

أما المناطق السكنية الراقية فترتفع فيها الأسعار بشكل كبير أيضا، ففي منطقي القادسية وزيونة يتراوح سعر المتر المربع الواحد بين مليونين وثلاثة ملايين دينار (بين 1700-2500 دولار)، أما في الأعظمية فبات سعر المتر الواحد ما بين مليون ونصف ومليوني دينار (بين 1250-1700 دولار).

يشتكي كثير من البغداديين من ارتفاع الإيجارات، مما دفع بعضهم للتوجه نحو دول أخرى للاستقرار فيها، مثل تركيا والأردن وأذربيجان وغيرها.

أرض في الأعظمية كان عليها بيت كبير تم هدمه استعدادا لبيع الأرض وتقسيمها (الجزيرة نت)
أرض في الأعظمية كان عليها بيت كبير تم هدمه استعدادا لبيع الأرض وتقسيمها (الجزيرة نت)

قوانين وتهاون
وقد بدأ الكثير من سكان بغداد منذ سنوات بالتوجه نحو أطراف مدينتهم، بحثا عن مناطق أرخص، وإن كانت تفتقر للخدمات، وخاصة منطقتي أبو غريب والراشدية، اللتان تشهدان نشوء أحزمة سكانية واسعة حولهما، يفتقر معظمها للبنى التحتية من طرق وشبكات صرف صحي وحتى مدارس ومستشفيات.

وتزداد بشكل مستمر المناطق العشوائية في أحياء بغداد والمساحات المحيطة بها، إما بالاستيلاء على أراض حكومية متروكة، أو بتجريف البساتين الزراعية وتحويلها إلى سكنية.

ويقول المهندس في بلدية الدورة جنوب شرقي بغداد زيد العاني إن مساحات زراعية واسعة داخل العاصمة ستختفي قريبا، بسبب تحولها لمناطق سكنية.

وأكد للجزيرة نت أن القوانين الرسمية تمنع البناء في هذه المناطق، وترتب عقوبات على المخالفين، إلا أن تهاون الحكومة معهم أدى إلى تشجيع كثير من أصحاب البساتين والأراضي الزراعية على تجريفها وتحويلها إلى مناطق سكنية تسمى محليا بـ"التجاوز".

إعلان

ووفقا للعاني فإن مجلس الوزراء أصدر قرارا يقضي بمنع تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية إلا بثلاث شروط، وهي أن يكون البناء غير مخالف للتصميم الأساسي، وأن تكون مبنية بشكل مجمع سكني، وأن يكون البناء من المواد الثابتة، وهو ما لا ينطبق على الغالبية العظمى من المباني الجديدة المشيدة حاليا، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة

إعلان