ترحيل ورصاص حي.. هل ضاق المغرب ذرعا بالهجرة غير النظامية؟
شهد التعاطي مع ملف الهجرة غير النظامية في الفترة الأخيرة بالمغرب تطورات لافتة تؤشر على ما يبدو أنه تغير نوعي في تعامل الرباط مع هذه القضية الشائكة التي دوما ما شهدت موجات أخذ ورد بين المملكة وشركائها في الضفة المقابلة من البحر المتوسط.
ويعتبر المغرب بلد عبور رئيسيا للمهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء الكبرى، حيث لا يفصل المملكة عن إسبانيا سوى مضيق جبل طارق (14 كيلومترا). كما يعد بلدا مصدرا للهجرة ومركز استقبال لمهاجرين اختاروا المكوث فيه بعد أن استعصى عليهم الوصول "للفردوس الأوروبي".
وتقدر بعض الجمعيات غير الحقوقية عدد المهاجرين الأفارقة الوافدين من دول جنوب الصحراء إلى المغرب بأكثر من 50 ألفا سنويا، تقول الرباط إنها تعبئ 13 ألفا من عناصرها الأمنية لمنع تسللهم إلى الضفة الشمالية من حوض المتوسط مما يكلفها نحو 230 مليون دولار سنويا.
وقد شهدت إسبانيا منذ مطلع 2018، وصول أكثر من 38 ألف مهاجر غير نظامي قادمين من المغرب، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، خاصة بعد الإغلاق التدريجي لطريق تركيا–اليونان وبعد أن أوصدت إيطاليا موانئها بوجه المهاجرين القادمين عبر ليبيا وتونس.
ارتفاع مضطرد
وتؤكد السلطات المغربية هذا الارتفاع المضطرد في وتيرة الهجرة غير النظامية، خاصة منذ 2016، حيث تم إجهاض أكثر من 65 ألف محاولة هجرة غير نظامية خلال عام 2017 وحده، وفق بيانات رسمية.
|
وقد تبنى المغرب منذ سبتمبر/أيلول 2013 مقاربة تصفها السلطات بكونها "إنسانية" لمعالجة هذا الإشكال، وذلك بعد أن وجهت منظمات حقوقية محلية ودولية سهام الانتقاد لطريقة معاملة المهاجرين وتعرض عدد منهم لممارسات وصفت بالعنصرية.
وترتكز المقاربة على قانون يقضي بمنح الإقامة القانونية للمهاجرين وطالبي اللجوء، مما مكن من تسوية وضعية 50 ألف مهاجر، 90% منهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء. كما استفاد 2000 مهاجر من برنامج العودة الطوعية إلى بلدانهم في مقابل تحفيزات مادية، بحسب بيانات قدمها وزير الداخلية المغربي مطلع سبتمبر/أيلول الماضي.
لكن تعاطي المغرب مع هذا الملف شهد في الفترة الأخيرة عدة تطورات تؤشر على ما يبدو على أنه تغير تدريجي في إستراتيجية المملكة بهذا الخصوص.
أول هذه المؤشرات، كان قيام السلطات لأول مرة بترحيل مهاجرين أفارقة حاولوا اقتحام السياج الحدودي الفاصل مع مدينة سبتة الخاضعة لإسبانيا بالقوة.
كما قبلت الرباط استقبال مهاجرين غير نظاميين مُرحلين من إسبانيا بعدما رفضت ذلك لسنوات، حيث رحلت السلطات الإسبانية في 23 أغسطس/آب الماضي 116 مهاجرا إلى المغرب، وتجاوبت المملكة مع هذا الترحيل رغم انتقادات حقوقية ودولية اعتبرته "إجراء تعسفيا".
|
وأدى الحادث إلى إصابة 3 أشخاص بجروح متفاوتة، ووفاة الطالبة "حياة" التي خلف مقتلها تعاطفا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعي بالمغرب. كما خرجت مظاهرات غاضبة بمدينة تطوان التي تنحدر منها "شهيدة الهجرة السرية" كما سميت، للمطالبة بمحاسبة المسؤولين، وتنديدا بالأوضاع التي تدفع الشباب إلى هجرة محفوفة بالمخاطر في محاولتهم الوصول إلى أوروبا.
تحد للسلطات
كما رفعت خلال المظاهرات الأعلام الإسبانية ورددت شعارات مؤيدة لإسبانيا، في تحد للسلطات وفي إشارة رمزية لحجم السخط على واقع يضطر فئة عريضة من الشباب للمغامرة بحياتهم في سيبل هجرة غير مضمونة النتائج.
|
مهما كانت حيثيات التعاطي اليومي للسلطات المغربية مع إشكاليات الهجرة غير النظامية إلا أن مراقبين يؤكدون أن هناك اعتبارات عدة أملت على الرباط تغيير نهجها في التعامل مع هذا الملف.
أولى هذه الاعتبارات تكمن في عدم رغبة السلطات المغربية أن تتحول المملكة في الأمد المتوسط والبعيد إلى مركز لاستقبال المهاجرين غير النظاميين. حيث عبرت الرباط في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري عن موقف "حازم وثابت" في رفض إقامة مثل هذه المراكز على أراضيها.
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، إن بلاده "لا يمكنها وحدها تحمل هذا العبء" وإن استحداث هذه المراكز يعد "تصديرا للمشكل وليس حلا بعيد المدى".
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد أبرمت اتفاقا مع شركائها في الاتحاد الأوروبي يعتمد على استضافة "دول أخرى" للمهاجرين الذين ترفضهم ألمانيا إلى حين النظر في طلبات اللجوء الخاصة بهم. وكان المغرب من بين الدول المرشحة للعب هذا الدور.
من جهة أخرى، لا يبدو المغرب في ظل المعطيات الحالية متحمسا لتوقيع اتفاق حول اللاجئين والمهاجرين شبيه بالاتفاق التركي مع الاتحاد الأوروبي، وهو اتفاق –على عكس ما يتم ترديده في وسائل الإعلام الأوروبية- غير محبوب في تركيا، كون المبالغ الممنوحة لأنقرة –حوالي ستة مليارات دولار– لا تغطي سوى جزء من إجمالي تكاليف استضافة اللاجئين.
مكاسب اقتصادية
تغيير سياسة التعامل مع الهجرة غير النظامية قد يكون أيضا وسيلة بيد الرباط لانتزاع مكاسب اقتصادية إضافية من شركائه الأوروبيين، أو ورقة ضغط قد توظف سياسيا في التعاطي مع عدة ملفات لعل أبرزها قضية الصحراء الغربية التي تراوح مكانها منذ عقود دون حل منظور في الأفق.
المعطى الآخر الذي قد يفسر تشديد الرباط لقبضتها على شبكات الهجرة غير النظامية في الفترة الأخيرة هو دخول مافيات المخدرات على الخط بشكل استفز السلطات ورفع من حالة اليقظة والتأهب. حيث كان لافتا قبل أيام فقط من حادث إطلاق النار ووفاة الطالبة "حياة" تواتر أنباء على مواقع التواصل لقوراب مهربي المخدرات تعرض على الراغبين في الهجرة غير النظامية نقلهم مجانا للضفة المقابلة من المتوسط.
وفسر البعض هذه الخطوة برغبة تجار المخدرات في خلط الأوراق والدخول في صدام محسوب مع السلطات بشمالي المملكة، من خلال استغلال حاجة الشباب والمهاجرين غير النظاميين للهجرة، حفاظا على مصالحهم.
صدام تحدث عنه بوضوح رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري حين أكد أن المغرب بات "في صراع مع شبكات التهجير، شبكات قوية عابرة للحدود، لها تمويلات ضخمة من تهريب المخدرات والبشر والأسلحة".
مهما تكن الاعتبارات وراء حالة التململ في تعاطي المغرب مع إشكالية الهجرة غير النظامية، فإن الأكيد أن المجتمع الدولي والشركاء الأوروبيين يعون جيدا أهمية المملكة بحكم موقعها الاستراتيجي في معالجة طويلة الأمد لهذا الملف.
ولعل هذا أحد الأسباب التي دفعت الجمعية العامة للأمم المتحدة لاختيار المغرب لاحتضان مؤتمر دولي يعد الأول من نوعه بشأن الهجرة وإشكالياتها في 10 و11 ديسمبر/كانون الأول المقبل، حيث سيتم اعتماد "ميثاق عالمي للهجرة الآمنة والمنظمة"، وهي أول وثيقة أممية من هذا النوع.
وقد يشكل المؤتمر فرصة سانحة لرسم استراتيجية مواجهة لإشكالية الهجرة غير النظامية، تأخذ بعين الاعتبار حاجيات الدول المصدرة للهجرة وانتظارات دول العبور والدول المستقبلة لمهاجرين غير نظاميين اضطرهم بؤس الحال وانسداد الأفق لمطاردة حلم الهجرة صوب المجهول.