هنية شرايعة.. أسنّ الأسيرات وأم الأسرى

عاطف دغلس-نابلس
11 يوما من الاعتقال كانت كفيلة بجعل الأسيرة المحررة شرايعة (60 عاما) "أسطورة" في مقاومة المحتل والصبر على انتهاكاته لأبسط حقوقها، حتى إن تعلق الأمر بجرعات من الدواء تبقيها على قيد الحياة تصارع ظلم السجن وظلمته.
تعود حكاية هنية إلى 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي عندما غادرت مع نجلها وليد مسكنهما بمخيم بلاطة قرب مدينة نابلس بالضفة الغربية، قاصدين محكمة معسكر سالم الإسرائيلية شمال فلسطين المحتلة لحضور جلسة المحاكمة لنجلها الأصغر محمد الذي تعتقله إسرائيل مع شقيقيه حسن ووليد.
عند آلة الفحص، أنذر الجهاز المحوسب بشيء ما من الحديد، أخرجت هنية يديها وأخبرت المجندة الإسرائيلية بأن ذلك هو حقيبة يدها الصغيرة وهاتفها الخلوي، وأنها مستعدة لإبقائهما جانبا والدخول لقاعة المحكمة دونهما، "إلا أن المجندة رفضت وطردتنا من المحكمة بعد أن أبلغتنا بإلغاء محاكمته".
وقع الخبر على مسمع هنية ونجلها وليد كالصاعقة، فتلك الدقائق التي تعقد بها المحكمة هي متنفس الأهالي لرؤية أبنائهم الأسرى، رغم أن التواصل معهم يكون بـ"الإشارة" فقط.
أثار رفض وليد الخروج من المحكمة حفيظة المجندة، فلم تدخر جهدا لاستدعاء خمسة جنود آخرين لينهالوا عليه بالضرب المبرح، "حتى سالت الدماء من وجهه" بحسب هنية التي حاولت منعهم صارخة "حرام عليكم" فهاجمتها المجندة وألقت بها أرضا.

اتهامات باطلة
تتابع هنية بعد أن ألقت بجسدها المنهك على أريكتها في المنزل أنها "تدحرجت نحو خمسة أمتار" صوب سياج حديدي بعدما ضربتها المجندة، فرفعت يديها لحماية وجهها ورأسها، وفي الأثناء جرحت المجندة بعد أن ارتطمت يدها بالسياج.
اقتيدت هنية إثر ذلك لداخل السجن في معسكر سالم ومكثت فيه ساعات قبل أن تنقل لقسم النساء في سجن هشارون الإسرائيلي، وتكال إليها التهم "جزافا" حول "ضرب المجندة وتهريب هاتف للسجن"، دون أن يُسمح لها برؤية ابنها وليد الذي كان يواجه في أحد أقسام المحكمة تعذيب الجنود المدججين بالأسلحة، قبل أن يُحوِّله الاحتلال للاعتقال لاحقا.
لم يبقِ الاحتلال طويلا عل هنية في سجن هشارون الذي مكثت فيه أربعة أيام، ليتم نقلها لسجن آخر يدعي "كيشون" وتعزل وحدها داخل إحدى زنازينه. ورغم ذلك عايشت حال الأسيرات المرير ورأت "تزايدا" باعتقالهن وانتهاكات حقوقهن، بدءا بسوء الطعام وأوضاعهن الصحية الصعبة وانتهاء باقتحام غرفهن وتفتيشها وتنقلهن بين المحاكم والسجون.
كان الأحفاد الصغار يُصغون لحديث جدتهم الأسيرة المحررة، مثلنا تماما، يريدون معرفة التفاصيل، ولا سيما أن آباءهم معتقلين. قاطع أحدهم جدته سائلا إياها إذا ما كنت رأت "عهد التميمي"، تلك الطفلة التي اعتقلت قبل نحو أسبوعين من بيتها في قرية النبي صالح بقضاء رام الله. لم تسمع هنية سؤاله جيدا، لذا لم تجب، وواصلت حديثها عن تنقلها بين السجن والمحكمة ست مرات خلال 11 يوما هي مدة اعتقالها.
تتابع هنية أن السجانين كانوا يقتادونها وهي مقيدة بالحديد في رجليها ومعصميها، وكانوا يرفضون إعطاءها الدواء اللازم لعلاجها، فقد تلقت خمس جرعات من الأنسولين في الوقت الذي كانت بحاجة لنحو أربعين جرعة، أما أدوية ضغط الدم وغيرها من الأمراض المصابة بها فلم تتلق علاجا لها.

الأسيرة الأكبر
بينما كانت هنية تصارع السجن كان نجلها علي وبناتها والأحفاد يحتشدون في الخارج للتضامن معها والدفاع عنها، فعلي سبق اعتقاله مرات عدة وهو يعي جيدا معاناة السجين وكيف سيكون حال عائلته بغياب والدته وثلاثة من أشقائه.
كان علي يحبس "دموع الفرح" بلقاء أمه التي "لم يطل غيابها عن المنزل كما طال هذه المرة"، ويضيف أن فرحتهم "تظل منقوصة" طالما بقي أشقاؤه الثلاثة معتقلين.
كان أحفاد هنية من أبنائها الأسرى يتسابقون لاحتضانها حال وصولها، عكست أزقة المخيم وبيوته المتلاصقة صدى أصواتهم وفرحهم برؤية "الجدة هنية" طليقة بينهم، كنا نسمع أيضا "بكاء" بناتها فرحا بلقائها.
يقول عماد شتيوي الناشط في الدفاع عن الأسرى بنابلس إن هنية لم تكن أما لثلاثة أسرى وأكبر الأسيرات سنا فحسب، بل كانت تهددها الأمراض، إضافة إلى "كسر يدها وتهشيم وجهها داخل المحكمة".
بنفسها جربت هنية الاعتقال وعاشته واقعا في سجون الاحتلال التي جابت معظمها خلال زيارة أبنائها، وهي اليوم لا تدري إذا ما كان سيكتب لها زيارتهم مرة أخرى بعد أن نص قرار الإفراج عنها بتغريمها نحو 1500 دولار أميركي، وحرمانها من دخول المناطق الإسرائيلية خمس سنوات.