إيران.. موجة احتجاجات أم بداية ثورة؟

2/1/2018
محمد النجار-الجزيرة نت
مع تصاعد الاحتجاجات في إيران واتخاذها منحنى عنيفا في بعض المدن يبدو السؤال الذي يحاول مراقبون ومحللون الإجابة عنه بعد خمسة أيام من انطلاقتها إن كانت مجرد موجة تشبه موجات سابقة، أم أنها بداية ثورة ستحدث تغييرا يطال النظام الحاكم.
المظاهرات التي اتسعت أفقيا فبدأت بمظاهرة في مدينة مشهد ثاني أكبر مدن إيران من حيث عدد السكان لتشمل 23 مدينة الأحد الماضي وتصل غدا لـ37 مدينة شهدت مظاهرات كان العنف إحدى سماتها بعد مهاجمة مراكز شرطة وبنوك ومؤسسات رسمية.
وعلى الرغم من أن مظاهرات إيران خرجت لأسباب اقتصادية فإن الشعارات السياسية لم تغب عنها، حيث رفعت فيها شعارات تطالب بإسقاط المرشد والرئيس روحاني، كما ميز العديد منها رفض سياسات النظام الخارجية، وتلخص ذلك بشعار "لا غزة.. لا لبنان.. روحي فداء لإيران".
سياسيا، ركز أركان النظام الإيراني على ما اعتبروه "العامل الخارجي" في استغلال المظاهرات فاتهم المرشد علي خامنئي اليوم الثلاثاء من وصفهم بـ"الأعداء" بالسعي لاستهداف إيران وإضعافها بالمال والسلاح وإثارة المشاكل في الداخل.
ذات الأمر تحدث عنه الرئيس حسن روحاني الذي تدرج في موقفه من مهاجمة المظاهرات إلى اعتبارها مشروعة المطالب مع التحذير من استغلالها من "الأعداء" وصولا لتوعده بمواجهتها بمظاهرات مليونية مؤيدة للنظام.
ليست الأولى
وموجة الاحتجاجات الحالية ليست الأولى لكنها الأوسع في إيران منذ مظاهرات "الثورة الخضراء" عام 2009 التي خرجت احتجاجا على إعادة انتخاب الرئيس السابق أحمد نجاد، كما شهدت الجمهورية الإسلامية موجات احتجاج في أعوام 1992 و1994 و2001 و2015.
واللافت أن شرارة هذه الموجة انطلقت من جماعات محسوبة على النظام، والإشارة بشكل أساس إلى المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة إبراهيم رئيسي الذي قاد مظاهرة لمتضررين من خسارة آلاف المواطنين مدخراتهم في اثنين من المصارف، ليكون ذلك بمثابة الشرارة التي أشعلت موجة ما زالت مستمرة من الاحتجاجات.
وفي هذا الإطار، تنقل الباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني في مركز الجزيرة للدراسات فاطمة الصمادي عن موقع زيتون الإيراني المعارض أن هناك أدلة على أن تجمع مشهد كان مقررا في البداية من قبل جماعات محسوبة على النظام تشكلت بالأساس من قوات التعبئة (الباسيج) بهدف مهاجمة حكومة روحاني.
وتفصل الصمادي -في ورقة بحثية نشرتها على موقع المركز- الأسباب الاقتصادية التي دفعت أغلبية الإيرانيين لاعتبار أن حكومة روحاني فشلت في إحداث أي تغيير إيجابي في الأوضاع المعيشية بالبلاد بعد الاتفاق النووي.
اقرأ أيضا: احتجاجات إيران.. هل بدأت انتفاضة الخبز الإيرانية؟ |
إخفاق روحاني
وقالت إنه وعلى الرغم من أن الحكومة نجحت في تخفيض معدل التضخم من 40% عام 2013 إلى 9% العام الماضي فإن معدل البطالة ارتفع من أقل من 11% إلى نحو 13% خلال نفس الفترة، وكانت فئة الشباب (20-24 عاما) الأكثر بطالة بنسبة 32%.
وتشير الصمادي إلى إخفاق حكومة روحاني في الحد من الفقر، حيث تشير إحصاءات رسمية إلى أن نحو نصف الإيرانيين يعيشون حول معدلات الفقر، وأن نحو ثلثهم يعيشون تحت خط الفقر المطلق.
وتلفت أيضا إلى أن روحاني الذي طبق سياسات اقتصادية متقشفة طالت الدعم المقدم للمواد الأساسية، وقام برفع أسعار الوقود لم يطبق ذات السياسات مع المؤسسات العسكرية والأمنية، حيث تفاخر العام الماضي بمضاعفة موازنة الحرس الثوري بنسبة 145% والأجهزة الأمنية بنسب كبيرة.
ويرجع أستاذ دراسات الخليج وإيران في جامعة قطر محجوب الزويري أسباب المظاهرات لثلاثة عوامل، أولها أن الاقتصاد منذ الثورة الإيرانية لم يحقق قفزات نوعية بل بقي يعتمد على النفط، والثاني عدم إجراء تطوير إستراتيجي للبنية الاقتصادية، والثالث فشل الاتفاق النووي في جلب عائدات مالية منتظرة بسبب التعقيدات التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ قدومه إلى السلطة.
لكنه يشير أيضا إلى أسباب سياسية، ويقول إن إيران تشهد حالة استقطاب سياسي، وإن قوى سياسية مختلفة تريد الاقتصاص من روحاني الذي ترى أنه استثمر في الاتفاق النووي كل فترته الرئاسية الأولى دون جلب أي خير للإيرانيين.
إحباط الشباب
ويعلق الباحث الإيراني في الشؤون السياسية والاقتصادية محمد حسين أنصاري بأن الكتلة الشبابية الواسعة التي دعمت روحاني وانتخبته للرئاسة مستخدمة مواقع التواصل على الإنترنت تعود هذه المرة بنفس الأدوات ضده، مشددا على وجوب فعل شيء ليشعر الشباب بالرضا وليخفف من إحباطهم.
وعلى الرغم من أنه يرى أن الاحتجاجات الحالية لن تسقط النظام الإيراني فإن مدير مركز الدراسات العربية والإيرانية في لندن علي نوري زادة يرى أن هذه الموجة ستغير من طبيعة العلاقة بين الشعب والنظام الحاكم.
واعتبر أن روحاني أطلق وعودا كثيرة، وأن المعارضة توحدت في دعمه لمنع وصول رئيسي إلى السلطة، لكنه "فشل في تنفيذ حتى 10% من برنامجه الانتخابي"، وأنه "استسلم أمام الحرس الثوري، وضاعف ميزانيته ثلاثة أضعاف"، كما واصل التدخل في سوريا ولبنان واليمن، وهو ما يرفضه الشعب الإيراني.
ورغم كل الأسباب السابقة ترى الصمادي أنه "يجب عدم التقليل من أثر هذه الاحتجاجات، في الوقت ذاته يجب عدم التهويل بشأنها بوصفها مهددا مباشرا لبنية النظام القائم، فهو قوي ومستقر بشكل كبير، لكن هذه الاحتجاجات تعد مؤشرا على التحولات التي يشهدها المجتمع الإيراني، ولا يمكن إغفال تأثيرها مستقبلا على شكل وبنية النظام القائم".
ويجمع مؤيدون ومعارضون للنظام الإيراني وباحثون ومحللون على أن رهانات مستقبل إيران تتوقف على استمرار الاحتجاجات واتساعها أو تراجعها، وطريقة تعامل النظام معها احتواء أو مواجهة، عوضا عن استغلالها من قبل أجنحة النظام المتصارعة على خلافة المرشد، وهي عوامل ستحسم جميعها مستقبل هذه الموجة وإمكانية تحولها لثورة أم لا.
إعلان
المصدر : الجزيرة + وكالات + مركز الجزيرة للدراسات