ترمب يستعيد صفحات سوداء بتاريخ بلد بناه المهاجرون

لم تكن مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب المناهضة للهجرة والكارهة للمهاجرين من دول وصفها "ببؤر القذارة" منبتّة لا أصل لها في تاريخ الولايات المتحدة.
ويؤكد تلك المقولة المؤرخون الذين نبشوا التاريخ الأميركي؛ إذ يقولون إن البلاد شهدت موجات عدة من المواقف المناهضة للهجرة، ونقاشات حادة حول جدوى البقاء كدولة هجرة.
غير أن هذه المواقف تتعارض تماما مع المبادئ العامة التي يعتمدها بلد مثل الولايات المتحدة يفتخر بقدراته على استيعاب المهاجرين وإدماجهم.
تقول أستاذة التاريخ في جامعة ميريلاند جولي غرين "من يتمعن كامل التاريخ الأميركي يرى أن أكثر ما يميزه هو تطور النقاش حول الهجرة ليركز على أعراق المهاجرين".
ويدلي أستاذ التاريخ بالجامعة الأميركية ألان ليشتمان هو الآخر بدلوه في القضية؛ إذ يرى أن ثمة مشاعر قوية مناهضة للهجرة ظهرت خلال القرن 19.
ويضيف ليشتمان أنه "خلال مراحل عدة من التاريخ الأميركي كان ينظر إلى فئة معينة من المهاجرين على أنها تشكل تهديدا للولايات المتحدة".
ويضرب أستاذ التاريخ مثلا بمواقف سابقة تبناها الرئيس الجمهوري وارن هاردينغ إزاء الهجرة، حيث جعلها أساس حملته الانتخابية عام 1920.
ويقول ليشتمان في ذلك "على غرار ترمب كان هاردينغ يقدم نفسه على أنه رئيس (أميركا أولا)".
ومع ذلك، فإن أحدا لم يجعل من الهجرة مسألة سياسية كما فعل ترمب خلال حملته الانتخابية مدغدغا مشاعر البيض الخائفين من التطورات الديموغرافية التي تشهدها البلاد، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية نقلا عن المؤرخين.
وفي هذا الصدد يعلق ليشتمان قائلا إن ترمب "عمل على جذب أقلية لديها شعور قوي مناهض للهجرة، بيد أن هذا ليس هو شعور الأكثرية".

كل تلك المواقف السابقة تبدو على طرفي نقيض من مضمون قصيدة صاغتها الشاعرة الأميركية إيما لازاروس عام 1883، ونُقشت على قاعدة تمثال الحرية المنتصب في نيويورك لاستقبال المهاجرين التواقين للوصول إلى أرض الأحلام، وتحدثت الشاعرة في قصيدتها باسم تمثال الحرية مخاطبة المهاجرين الواصلين بحرا إلى نيويورك قائلة:
"أعطوني جماهيركم المتعبة المثقلة المسكينة المتزاحمة،
جماهيركم الهاجعة التي تتوق إلى استنشاق نسيم الحرية،
إليَّ بالبؤساء والتعساء والمتضايقين والمُزدرَى بهم
أرسلوا إليَّ المُشرَّدين الذين تتقاذفهم العواصف والأنواء،
ها أنا في استقبالهم رافعة مصباحي على مقربة من الباب الذهبي".
والحقيقة أنه لا يمكن القول إن كل الرؤساء الأميركيين على وفاق مع ترمب وقبله هاردينغ؛ ففي عام 1986 قنّن الرئيس الجمهوري رونالد ريغان أوضاع 3.2 ملايين مهاجر سري.
وبعدها بأربع سنوات أراد الرئيس جورج بوش الأب تنويع أصل المهاجرين فأدخل سياسة اليانصيب (اللوتاري) للحصول على الإقامة المعروفة بالبطاقة الخضراء.
لكن المشاعر المناهضة للهجرة عادت بقوة مطلع الألفية الثالثة، وبسبب اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 استهدفت المشاعر المناهضة للمهاجرين المسلمين بشكل خاص.
وأمام 12 مليون مهاجر غير قانوني موجودين في البلاد، سعى الرئيسان جورج بوش الابن وباراك أوباما إلى وقف تدفق المهاجرين القادمين من الخارج، مع إعطاء فرص كثيرة لمنح الجنسية الأميركية للموجودين أصلا في البلاد.