هل باتت المعارضة المسلحة عبئا على الثورة السورية؟

11/1/2018
رأفت الرفاعي-غازي عنتاب
تمسُّكُ فصائل المعارضة السورية المسلحة بطابعها المناطقي وصراعاتها الداخلية وفشلها الذريع في التوحد عسكريا يكشف عمق الأزمة التي تعصف بها وتكبدها خسائر متلاحقة طيلة الفترة الماضية، كان آخرها عجزها حتى عن التصدي لقوات النظام في أبرز معاقلها بمحافظة إدلب رغم أن هذه معركة وجود لها.
فبعد أكثر من سبع سنوات خلت لم يتحول "الجيش السوري الحر" إلى مؤسسة عسكرية لها هياكلها وقياداتها، بل ظل مجرد إطار نظري لوصف كل من حمل السلاح بهدف حماية المدنيين، وإسقاط النظام، وتحقيق أهداف الثورة السورية الوطنية الجامعة في الحرية والكرامة والعدل، بوصفها الشرعية الوحيدة الممنوحة لتحول النضال السلمي إلى الكفاح المسلح في مواجهة العنف المفرط الذي لجأ إليه النظام السوري.
مرت فصائل المعارضة المسلحة بمرحلتين؛ الأولى وهي مرحلة الصعود، وقد سيطرت خلالها على أكثر من 70% من مساحة سوريا، وانتهت هذه المرحلة عمليا مع نهاية عام 2014، وكانت صبغتها أقرب إلى مسمى الجيش الحر، وأما المرحلة الثانية فقد اتسمت بالهبوط والانكسار والانزياح عن الأهداف المعلنة والدور الوظيفي للجيش السوري الحر، وبدأت تزداد حدة مظاهر الانكسار، ويتنامى التباين في المرجعيات الفكرية والسياسية شيئا فشيئا.
الندية المطلقة

هذا التباين صبغ مرحلة الانكسار بصراع داخلي وصل إلى اقتتال دام، ومعارك ذات طابع استئصالي، بسبب اختلاف المشاريع بينها وكذلك الصراع على السلطة والنفوذ، وهو ما عزز الانتقال من قادة جماعات ثورية إلى أمراء حرب، ينساق معهم أفراد الفصيل مجبرين مكبلين بأعباء مالية واجتماعية، حسب الكاتب والباحث السياسي السوري سعد الشارع.
وخلص الباحث إلى أن الصراع أفرز في الوقت الراهن حالة ما بعد تنافسية وصلت إلى الندية المطلقة، محملة على روافع دينية في غالب الأحيان، نتيجة غياب المرجعية واستجلاب النصوص في غير مواضعها، مشيرا إلى أن ذلك يتجلى في فشل المعارضة في تشكيل غرفة عمليات لصد تقدم هو الأسرع والأكثر خطورة لقوات النظام يهدد وجود المعارضة المسلحة في أبرز معاقلها بمحافظة إدلب وربما آخرها في المحافظة.
وفي هذا الإطار، فإن الصراع والاقتتال الداخلي وبنظرة على أبرز وقائعه يبدو بلا هوية محددة، إذ تُستحضر معه شتى المسوغات الدينية والوضعية منها، فقد وقع تارة بين فصائل لها ذات مرجعية فكرية، إما كفصائل جيش حرك الاقتتال بين فرقة السلطان مراد والجبهة الشامية، أو الاقتتال بين فصائل جهادية وأخرى مصنفة ضمن إطار الجيش الحر، كحرب الاستئصال التي خاضتها جبهة النصرة بمواجهة فصيل ثوار سوريا، أو حتى الاقتتال بين فصائل جهادية كالاقتتال بين حركة أحرار الشام وجبهة النصرة.
وصرح القيادي السابق والبارز في حركة أحرار الشام الفاروق أبو بكر للجزيرة نت بأن حالات الاقتتال بين ما وصفها بالفصائل الثورية لم يتعد النزاع للسيطرة المناطقية ولم يحدث أن أعلن فصيل ثوري حرب استئصال على فصيل آخر.
ويقول أبو بكر إن الاقتتال بين حركته وهيئة تحرير الشام لم يكن سوى معارك محضرة ومعدة، وهي سلسلة معارك هدفها إيصال الثورة إلى ما نراه الآن، ويضيف أن "الهيئة بمسماها الحالي وما كنت تسمى به سابقا، فتح الشام وقبلها جبهة النصرة، قاتلت أكثر من 20 فصيلا كانوا سدا منيعا في وجه قوات النظام والمليشيات المساندة له"، مشددا على أن "تشرذم الفصائل وعدم انخراطها في جيش وطني واحد له دور كبير في انتفاخ تلك الجماعات وتمددها على حساب الثورة والشعب", في إشارة إلى هيئة تحرير الشام.
الحواضن الشعبية

وأمام هذا الواقع يخلص الباحث سعد الشارع إلى استنتاج مفاده أنه قد يكون بعيدَ المنال حاليا التعويلُ على صحوة داخلية لكبرى فصائل المعارضة أو بشكل أدق "معارضات مسلحة"، فليس كل معارض للنظام مؤيدا لطروحات الثورة بالضرورة، معتبرا أن التعويل يجب أن يكون على تقويم حراك الحواضن الشعبية، لأنها المؤثر الحقيقي الذي يمتلك أدوات نزع الشرعية، وهذا ما يخيف الفصائل أكثر من أصوات طبول الحرب حين تقرع إيذانا بجولة صراع داخلي.
ويرى مراقبون أن عجز المعارضة المسلحة عن التوحد واقتتالها وفشلها في تحقيق أي مكاسب ميدانية وعدم فهمها وهضمها التحولات السياسية إقليميا ودوليا يثير تساؤلات ملحة، أبرزها حول شرعية هذه الفصائل وقتالها النظام باسم الثورة، مشيرا إلى أن كل ذلك أوجد حالة تململ تنبئ بظهور موجة ثانية للثورة السورية، تتجاوز عجز أذرعها وتجبرها على التجسيد العملي لا النظري في كونها ذراعا يساند الثورة أو عبئا يجب تجاوزه.
المصدر : الجزيرة