قانون المصالحة الاقتصادية بتونس.. عفو أم إفلات؟
خميس بن بريك-تونس
وتتواصل مناقشة مشروع المصالحة الاقتصادية بلجنة التشريع العام بالبرلمان بحضور ممثلين عن الرئاسة وآخرين عن الكتل البرلمانية. واتسم النقاش بالتشنج في الجلسات الأولى حول القانون الذي سبق سحب مناقشته من الرئاسة عامي 2015 و2016 بسبب معارضته.
ويهدف القانون -الذي كان من أحد الوعود الانتخابية للرئيس الباجي قايد السبسي– إلى تحقيق عفو عام على الموظفين العموميين والمسؤولين السياسيين ورجال الأعمال المتورطين في جرائم مالية مقابل تعويض الدولة عن أموالها المنهوبة بهدف إنعاش الاقتصاد المنكوب.
وبعد تنقيحه، أعادت الرئاسة طرحه قبل أيام على البرلمان. وبعدما كان يتضمن 12 فصلا أصبح مشروع القانون يحتوي ستة فصول. ويوضح فصله الأول والثاني أنه يهدف لإقامة صلح بين الموظفين ورجال الأعمال والمورطين بجرائم مالية وبين الدولة مقابل تعويضها.
معارضة شديدة
لكن أغلب مواقف السياسيين ومنظمات المجتمع المدني ذهبت باتجاه معارضته بشدة. ونظم نشطاء حملة شعبية أطلق عليها "مانيش مسامح" (لن أسامح).
وعبرت أحزاب في الائتلاف الحكومي -على غرار حركة النهضة والحزب الجمهوري وحركة الشعب- عن معارضتها الشديدة لمشروع القانون.
وفي هذا السياق، يقول النائب عن حركة النهضة عبد اللطيف المكي للجزيرة نت إن حزبه يرفض التصديق على المشروع بصيغته الحالية لأنه يتعارض مع الدستور ومع قانون العدالة الانتقالية، معتبرا أنه لا يمكن استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة لتمرير هذا القانون المثير.
ويرى المكي بأنه يجب إدخال تعديلات جوهرية على هذا القانون حتى لا يتعارض مع روح العدالة الانتقالية التي تقوم على أساس كشف الحقيقة والمحاسبة ثم المصالحة. كما عبر عن وجود شكوك في المردودية الاقتصادية للقانون الذي قال إنه لا يأتي بعائدات كافية للدولة وفق خبراء.
من جهته، قال الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي للجزيرة نت إن مشروع قانون المصالحة فيه خرق واضح لـ الدستور التونسي وقانون العدالة الانتقالية ووثيقة قرطاج التي انبثقت عنها حكومة الوحدة الوطنية الحالية. وقال إنه لا يساعد على تفكيك منظومة الفساد وآلياتها.
والحزب الجمهوري أحد مكونات ائتلاف سياسي تشكل من ائتلاف الجبهة الشعبية والمسار الديمقراطي وحركة الشعب والتيار الديمقراطي والتكتل الديمقراطي لمعارضة القانون، كما يعمل حزب حراك تونس الإرادة الذي يرأسه الرئيس السابق المنصف المرزوقي لحشد الشارع لرفض القانون.
رفض القانون
وإلى جانب الأحزاب، عبرت منظمات من المجتمع المدني عن رفضها هذا القانون بحجة أنه يعطي عفوا تاما على الموظفين والمسؤولين الذين ساهموا في تسهيل عمليات فساد تعليمات من رموز النظام السابق وأنه يكرس إفلاتهم من العقاب دون مساءلتهم ومحاسبتهم.
ومن أبرز المنظمات المعارضة للقانون الاتحاد العام التونسي للشغل الذي طلب أمينه العام نور الدين الطبوبي من الرئاسة التريث في البت بشأنه، داعيا إلى حوار مجتمعي حول مسار العدالة الانتقالية والمصالحة.
وكان اتحاد الشغل قد أكد أنه سيدعم القانون إن كان مستجيبا للدستور وله مردودية اقتصادية بالأرقام. وشدد على أن "أي محاولة لطي صفحة الماضي لن تكون إلا داخل مسار الدستور، وعلى قاعدة المساءلة وكشف الحقيقة والمحاسبة ثم المصالحة بعيدا عن المقايضة والمصلحية".
نفي الاتهامات
في المقابل، قال نور الدين بن تيشة مستشار رئيس الجمهورية للجزيرة نت إن مشروع قانون المصالحة جزء مهم بالعدالة الانتقالية، نافيا الاتهامات الموجهة للقانون.
وأضاف أن "القول إن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية يسعى لتبييض الفساد فيه مغالطة ولا أساس له من الصحة".
وأكد أن الرئاسة عبرت مرارا عن تفاعلها الإيجابي مع جميع مقترحات ممثلي الكتل البرلمانية حول تنقيح هذا القانون، الذي يرى بأن له تبعات إيجابية على مستقبل البلاد من حيث الاستفادة من التعويضات التي ستحصل عليها الدولة لإعادة تنشيط الاقتصاد ودفع الاستثمار.
وأوضح أن القانون يفتح الباب لمن أجرم في حق الدولة من أجل الكشف عن جرائمه والاعتذار أمام لجنة التحكيم والصلح، وإرجاع الأموال المستولى عليها للدولة إضافة إلى نسبة 5% من تاريخ حصول الاستفادة، ولكنه يعفي الموظفين الذين لم يستولوا على الأموال.