نذر قطيعة بين السودان ومصر
عماد عبد الهادي-الخرطوم
ما تزال الخلافات السودانية المصرية تتجه بسرعة نحو الانزلاق إلى هاوية المواجهة أو على الأقل إلى قطيعة توقعها كثير من المتابعين والمحللين السياسيين بالسودان.
فقد كانت الخرطوم تراهن على تجاوز ما طرأ على علاقاتها مع القاهرة بعد قرارها وقف استيراد بعض السلع والمنتجات المصرية، لكن بدا أنها قد وصلت إلى ما يشبه القناعة بأن تصعيد القاهرة لا بد له من مقابل مماثل.
ورغم إعلان الخرطوم عبر وزير خارجيتها إبراهيم غندور قبل أقل من أسبوعين أن العلاقات بين البلدين غير قابلة للانتكاس لما يجمع الطرفين من مصالح وتاريخ مشترك، لم يمنع ذلك السودان من إعلان تبرمه، بل وتحذيره للقاهرة من مغبة ما تفعل.
وكانت الخرطوم هددت بانتهاج التعامل بالمثل مع القاهرة إذا كررت الأخيرة إبعاد مواطنين سودانيين من أراضيها.
وقال وزير الخارجية السوداني إن حكومته طلبت من نظيرتها المصرية رسميا إخطارها بما إذا كانت لديها قائمة بصحفيين سودانيين محظورين من الدخول إلى مصر، وذلك للتشاور بشأنها "تحاشيا لمنع أي مواطن من الدخول إلى مصر".
حملات
واتفق محللون سياسيون بشأن وجود ما يسهم في تأزيم العلاقة بين الدولتين من قضايا لم تحلها لقاءات قيادتيهما على تعاقبها، ولم يستبعدوا حصول قطيعة إن استمرت الحملات الإعلامية الموجهة من كل طرف نحو الطرف الآخر.
الكاتب والمحلل السياسي عثمان ميرغني يرى أن المشكلة أكبر وأعقد مما يتصوره الكثيرون، معتبرا أن ما يحدث حاليا هو مجرد رأس جبل الجليد.
ويعتقد أن الإجراءات المتجددة بشأن مواطني البلدين والتهديد بالمعاملة بالمثل يعبر عن أعراض الأزمة التي تتشكل حول قضية المياه وموقف الحكومة السودانية الداعم لإثيوبيا في مسألة سد النهضة، والتي عبر عنها الرئيس السوداني بأن أمن إثيوبيا لا ينفصل عن أمن السودان.
ووفق ميرغني الذي كان يتحدث للجزيرة نت فإن الأزمة بين الدولتين وصلت إلى مفترق طرق "بل تجاوزت كل الخطوط الحمراء التي كانت توضع أمام ما يهدد العلاقة بينهما".
بينما يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم محمد نوري الأمين وجود أسباب موضوعية للخلافات بين الخرطوم والقاهرة، تتمثل في محاولة كليهما إثبات أحقيته بمحاربة الإرهاب في المنطقة، وإقناع الإدارة الأميركية بذلك.
فمصر، وفق الأمين، تحاول إثبات أنها تحارب الإرهاب ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها منظمة إرهابية تجد الدعم والمؤازرة من السودان. بينما تعمل الخرطوم في هذا الاتجاه لإثبات أحقيتها -بحكم عمرها- في الحكم بحماية المنطقة وأداء هذا الدور الذي يمثل قمة المطالب الأميركية الغربية على السواء.
صراع حقيقي
ويؤكد الأمين أن ما يحدث "هو صراع حقيقي بين الدولتين أججه التفات العالم لملف آثار السودان وتبني قطر هذه الأيام لملف الترويج لهذه الآثار".
ويعتقد الأمين في حديثه للجزيرة نت أن الصراع القائم الآن بين الطرفين "هو صراع حضاري، لكنه لا ينفصل عن الصراع المتجدد حول مثلث حلايب وشلاتين وغيرها من الملفات التي ظلت من دون حسم منذ أمد بعيد".
ولا يختلف الباحث في شؤون العلاقات المصرية السودانية بمركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا جاد كريم عبد القادر مع من سبقوه في توصيف الأزمة بين البلدين.
فقد اعتبر عبد القادر أن رفع العقوبات الاقتصادية على السودان وعودته لمحيطه الإقليمي للقيادة أمر غير مرض للقاهرة التي "تنظر إلى السودان على أنه حديقتها الخلفية، من دون أن تدرك أن تلك الحديقة أصبحت أكبر من البيت نفسه".
وحسب عبد القادر الذي تحدث للجزيرة نت فإن إضعاف السودان سياسة مصرية منذ أمد بعيد، مشيرا إلى أن "ملف السودان ما يزال بيد المخابرات المصرية وليس وزارة الخارجية كأمر طبيعي في العلاقات بين الدول".
وزاد أن السياسات المصرية الأخيرة تجاه السودان لم تكن بالنضج الكافي رغم أنه يمثل العمق الاستراتيجي.