ثامر السبهان.. مهندس استقالة الحريري

محمد العلي
منذ فترة انتدابه سفيرا للمملكة في العراق عام 2015 سجل وزير شؤون الخليج السعودي ثامر السبهان خروجا عن مألوف الدبلوماسية السعودية في الحذر وانتقاء العبارات وطرق إيصال الرسائل السياسية. فقد تجاهل السبهان حقائق عراق ما بعد 2003 وارتباط جزء من نخبته الحاكمة بطهران، ليشن هجوما صريحا على الأخيرة ويتهم مليشيات الحشد التي تتبع لها بنيتهم "حرق العراقيين العرب بنيران الطائفية المقيتة، وتأكيد توجههم بتغيير ديموغرافي". كما اتهم إيران نفسها "بتأجيج الأوضاع في العراق ونشر الفوضى لتدمير العرب".
كانت جرعة الصراحة الصادرة على الأرجح من خلفية السبهان العسكرية أكبر من أن تتحملها حكومة حيدر العبادي، فطلبت من نظيرتها السعودية استبداله. بل إن الانزعاج العراقي منها أفصح عنه رئيس حكومة سابق غير محسوب على طهران هو إياد علاوي.
لكن مفعول تصريحات السبهان آتت أكلها داخل أروقة الحكم في السعودية نفسها حيث أتاحت لصاحبها فرصة الترقي إلى درجة وزير مهمته متابعة شؤون الخليج العربي. وهي مهمة تتصل شكلا بالاهتمام بالعلاقة مع أشقاء المملكة من دول الخليج الأخرى، لكنها بالنسبة لرجل كالسبهان تعني مكافحة النفوذ الإيراني من وجهة النظر الرسمية السعودية.
ولم ينتظر العميد المتقاعد المولود عام 1967 طويلا، ليثبت أن تلك هي مهمته الحقيقية وزيرا يرعى جدول الأعمال الإقليمي للمملكة، فقد بدأ بتركيز سهامه على الدور الإيراني في سوريا وباتت تغريداته المنتظمة بهذا الصدد منجما لتوضيح المواقف وإرسال الرسائل.
السبهان بالرقة
وفي خطوة خرج فيها عن مألوف الدبلوماسية السعودية قام السبهان مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي بزيارة غير معلن عنها إلى الرقة فور انتزاع المليشيات الكردية لها من يد تنظيم الدولة. وقد أتاها برفقة المبعوث الأميركي الخاص لمكافحة تنظيم الدولة برت ماكغورك. وتردد أنه جاء المدينة المنكوبة لتسلم نحو 100 أسير سعودي ينتمون للتنظيم.
لكن المعلومات أشارت أيضا إلى أنه أجرى لقاءات مع زعماء عشائر ووجهاء محليين في المحافظة التي باتت موضع تنازع إقليمي ودولي، مما دفع أحد المراقبين إلى القول إن نشاط السبهان ينبئ بتغيير في العقل السياسي السعودي.
ولم يمض وقت طويل ليثبت السبهان أن مهمة مواجهة النفوذ الإيراني تستلزم التحرك في لبنان. جاء التدخل في حين بدا أن السعودية قد أهملت هذا البلد ونفوذها فيه ، إثر اضطرار سعد الحريري لأسباب غير معلومة للتراجع عن الفيتو الذي وضعه على انتخاب عون وأعلن ترشيحه للرئاسة، مما سهل وصول الرئيس المتحالف مع حزب الله بعدد قياسي من الأصوات.
وقيل إن لقاءات السبهان ببيروت أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي مرتبطة أولا "بترتيب البيت السني، وثانيا بترتيب ما كان يسمى فريق 14 آذار، ليس من منطلق خلق فرز جديد أو التصعيد ضد حزب الله، إنما لترسيخ قواسم مشتركة تساعد الرياض على تحقيق توازن مع الوجود الإيراني".
لكن مع تحقيق حلفاء حزب الله مزيدا من الانتصارات بسوريا ونجاح الأخير (إلى جانب الجيش اللبناني) في طرد تنظيم الدولة من جرود عرسال، صعد السبهان لهجته ضد طهران وحزب الله معا، فقد غرد داعيا إلى "تحالف دولي لمواجهة حزب الله". وهو ما دفع أمين الحزب حسن نصر الله للرد عليه قائلا إن "حزب الله أكبر من أن يواجهه السبهان بتحالف محلي، وهو يعرف أن حكام السعودية لا يستطيعون القيام بأي شيء مع حزب الله، ولذلك هو بحاجة إلى تحالف دولي".
اجتماع مطول
ومع انعدام أية أسباب داخلية للاستقالة المفاجئة لرئيس الحكومة سعد الحريري، اتجهت الأنظار آليا إلى السبهان ولقاءاته الأخيرة مع الحريري، خصوصا أن الأخير غرد في 31 أكتوبر/تشرين الأول قائلا بالحرف "اجتماع مطول ومثمر مع أخي دولة الرئيس سعد الحريري، واتفاق على كثير من الأمور التي تهم الشعب اللبناني الصالح، وبإذن الله القادم أفضل".
وأعاد الحريري نشر صورة حميمة له مع السبهان سبق للأخير نشرها في ذلك اليوم على صفحته مع تعليق قصير يقول "اجتماع طويل مع معالي الصديق ثامر السبهان". وبعد أربعة أيام من التغريدتين والصورة الأخوية صدر بيان استقالة الحريري المبنية على الشكوى من رغبة جامحة لإيران "في تدمير العالم العربي"، وإنها "أينما حلت يحل الخراب والفتن".