"فقراء" ووزراء في جنازة شيخ البودشيشية بالمغرب

الجزيرة نت-مدينة بركان
ومنذ الساعات الأولى من صباح الخميس، بدأ المريدون يتوافدون ليشاركوا في تشييع جنازة الشيخ إلى مثواه الأخير، وقبل ذلك اصطف الرجال والنساء في طابورين متقابلين أمام البناية التي يوجد فيها جثمان الشيخ، وكل مريد ينتظر دوره لإلقاء النظرة الأخيرة.
وبين دخول مجموعة من "الفقراء" (المريدين) كما يسمون أنفسهم، لإلقاء نظرة الوداع، وخروج أخرى، تتعالى أصوات بعضهم تعبيرا عن درجة التأثر، في حين استسلم آخرون لدموعهم وانخرطوا يبكون بحرقة على فراق الشيخ الذي يصفونه بـ"العالم المربي".
واستمر الحال على هذا النحو حتى قدوم الوفد الرسمي الذي شارك في مراسم الجنازة وتقدمه ثلاثة من مستشاري الملك محمد السادس، وهم فؤاد عالي الهمة وياسر الزناكي وعمر عزمان، إضافة إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق ووزير الداخلية محمد حصاد. وقدم الوفد التعازي لعائلة الشيخ، وفي مقدمتهم نجله جمال بودشيش الذي تسلم مهمة الإشراف على الزاوية.

بكاء ودعاء
ومباشرة بعد انتهاء الوفد الرسمي من تقديم واجب العزاء، وقراءة ما تيسر من القرآن والأدعية، حتى انطلقت مراسم التشييع، وهنا بدأت حكاية أخرى.
بدأ المعزون يغادرون المبنى تباعا لإفساح المجال أمام أحفاد الشيخ وبعض المريدين لنقل الجثمان ووضعه في سيارة الإسعاف الرسمية المخصصة لنقله من المبنى المذكور إلى مسجد الزاوية الذي يبعد حوالي 500 متر، في هذه اللحظة تعالت حناجر "الفقراء" بكاء تارة، وتارة أخرى مرددة أوردة وأدعية ترحما على الشيخ.
ووجد المكلفون بنقل جثمان الشيخ ووضعه في سيارة الإسعاف صعوبة كبيرة في إنجاز المهمة بسبب "حشود الفقراء" الذين تحلقوا حول مخرج المبنى وسيارة الإسعاف، رغم الأعداد الكبيرة من رجال الدرك والقوات المساعدة ورجال السلطة الذين حضروا للسهر على تنظيم هذه الجنازة إلى جانب أتباع الطريقة الذين كلفوا بمهام "الأمن الخاص".
بين إعلان وفاته ودفنه خلال أقل من 48 ساعة، لم يتأخر مريدو الطريقة في العالم في الحضور لتشييع شيخهم، وهذا الحرص الذي يدفع بالمريدين إلى قطع آلاف الأميال للمشاركة في الجنازة، لا يختلف عن حرصهم على حضور الملتقى السنوي الذي تنظمه الطريقة في مقرها بقرية مداغ.

شيخ عالمي
في هذا السياق، يقول محمد الشرقاوي، وهو مريد لازم الشيخ حمزة زهاء 46 عاما، إن الشيخ كان له أصدقاء من كل مكان، "جاءه الألماني والفرنسي والكندي والإسباني والمالي والسنغالي ومن جميع الأجناس، وحّدهم على لا إله إلا الله"، في إشارة للانتشار الواسع للزاوية في كل بقاع العالم.
"كان الراحل يقاتل ويجاهد من أجل أن تعلو كلمة لا إله إلا الله في القلوب" يقول الشرقاوي، قبل أن يوضح أنه "كان يرفض التطرف والشدة والتشدد"، والطريقة التي أسماها المريد بـ"المدرسة" أنتجت رجالات في الفكر والعلم.
يستحضر منير بودشيش أفضال جده ويقول "سيبقى هذا الشيخ الرباني والعارف بالله فينا ودائما بين ظهرننا، لأنه ربانا على الأخلاق المحمدية وربانا على الصدق"، ويضيف أن الطريقة ستستمر في أداء "المهمة الأخلاقية والتربوية والروحية" من أجل إصلاح الفرد والمساهمة في إصلاح المجتمع.
وأبرز منير أن الشيخ حمزة رباهم على الأخلاق المحمدية وحب الوطن والقيم الأخلاقية الإنسانية لنشر إسلام الوسطية والاعتدال بعيدا عن التطرف والإقصاء، وهذا ما تقوم به الطريقة وقامت به، مؤكدا أنهم في الزاوية "متشبثون بالثوابت المغربية المتجلية في إمارة المؤمنين والفقه المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني السلوكي".