مبادرات روسيا بالشرق الأوسط ومستقبل الدور الأميركي
فادي منصور-واشنطن
تثير المبادرة التي أطلقتها روسيا لاستضافة لقاء بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو تساؤلات حول مراميها وتوقيتها ودلالتها المتعلقة بمستقبل الدور الأميركي في ملف التسوية وموازين القوى الدولية في الشرق الأوسط.
وما يعزز هذه التساؤلات الانطباع العام في الشرق الأوسط عن تراجع ملحوظ لدور الولايات المتحدة خلف فراغا استغلته روسيا للعودة للمنطقة من بوابة الحرب في سوريا، وتسعى لاستكماله بمبادرتها في ملف التسوية.
ورغم الشكوك التي تحوم حول قدرة روسيا على إحداث اختراق في مسار التسوية الذي انهار في أبريل/نيسان 2014 فإن مبادرة موسكو تمثل خطوة أخرى في طريق استعادة مكانتها ونفوذها بالشرق الأوسط على حساب واشنطن.
مساعٍ روسية
ويقول المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الدولية بواشنطن إن روسيا تسعى جاهدة لإثبات أنها لاتزال تتمتع بمكانة دولية وتمثل بديلا للدور الأميركي الرائد في دبلوماسية الشرق الأوسط.
ويضيف إدوارد جوزيف أن النجاح بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين لا يقاس بقدرته على رعاية تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بل بمجرد التمكن من جمع عباس ونتنياهو في لقاء مشترك بصرف النظر عما ستتمخض عنه مباحثاتهما، على قاعدة أن كل نجاح دبلوماسي يصرف في رصيد النفوذ السياسي.
بدوره، يرى خليل جهشان المدير التنفيذي للمركز العربي بواشنطن أن فشل إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في تحقيق أهدافها المعلنة بالشرق الأوسط وبينها إنجاز التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تستغله روسيا لتحقيق مكاسب تتعلق أساسا بأمنها القومي في أوروبا.
ويعتبر خليل جهشان أن روسيا تملأ فراغا خلفته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط جراء انسحابها بحكم الواقع الناجم عن الانفجار الداخلي للمنطقة والذي خرج عن سيطرة واشنطن، وليس نتيجة خيار إستراتيجي مدروس.
ويخلص إلى القول إن الولايات المتحدة فقدت زمام المبادرة في منطقة تتسارع فيها الأحداث بوتيرة تفرض التعامل مع تداعياتها عوض استباقها ورسم مساراتها.
من جهته، لا يتفق جوزيف مع مقولة إن الولايات المتحدة في حالة انسحاب إستراتيجي من منطقة الشرق الأوسط إنما يعتبر أن أوباما يمارس انتقائية في تحديد الأولويات الأميركية بدليل انخراط إدارته في مفاوضات محمومة انتهت باتفاق في الملف النووي الإيراني، فضلا عن الانخراط الأميركي بالحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، والجهود التي بذلها وزير الخارجية جون كيري طيلة شهور في ملف التسوية والتي منيت بالفشل.
الإدارة المقبلة
ومع ذلك، يقر جوزيف بأن مقاربة الإدارة الأميركية الحالية لمشكلات الشرق الأوسط وجهت ضربة لمصداقيتها لدى شركائها الخليجيين وحليفتها إسرائيل. وهو يعتقد أن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي يُرجح فوزها بالانتخابات الرئاسية المقبلة على منافسها الجمهوري دونالد ترامب ستولي أهمية أكبر لمسألة المصداقية الأميركية لدى الحلفاء والشركاء الإقليميين بهدف تثبيت الحضور الأميركي وتلافي استغلال الفراغ من قبل دول أخرى.
ورغم اعتقاد جوزيف بأن كلينتون تبدي استعدادا أكبر من أوباما لاستخدام القوة العسكرية الأميركية فإنه يستبعد أن تلجأ إلى إحداث استدارة إستراتيجية انطلاقا من القاعدة العامة التي تشير إلى أن الرؤساء الأميركيين قلما يغيرون جذريا السياسة السابقة لأسلافهم ما لم تقع أزمات أو تسنح فرص للتغيير.
من جهته، يعتبر جهشان أن الوضع القائم المسيطر في الشرق الأوسط غير قابل للاستمرار على المدى البعيد بسبب كلفته المترتبة على الولايات المتحدة، وهو موضع انتقاد من قبل كلينتون وترامب.
ويرجح المدير التنفيذي للمركز العربي بواشنطن أن تشهد منطقة الشرق الأوسط ارتفاعا في منسوب التدخل العسكري الأميركي مع الإدارة المقبلة لأنه الحل الأسهل بالنسبة لصانع القرار، على حد قوله.