عقوبة بتهمة الإرهاب لبطل الدفاع عن البيئة

صورة تجمع نائب الرئيس السابق أحمد أديب مع الرئيس عبد الله يمين أثناء احتفال رسمي

تفيد الأدلة أن رئيس المالديف عبد الله يمين عبد القيوم هو الذي قرر بنفسه العقوبة التي صدرت على سلفه محمد نشيد بتهمة الإرهاب.

ينتاب محمد "أويتي" حسين شعور بالذنب وهو يقص حكاية كيف تقررت عقوبة السجن ثلاثة عشر عامًا بتهمة الإرهاب لرئيس المالديف السابق محمد نشيد، حيث يقول "دعوني وأخبروني بأن أذهب لاستلام خطاب من القاضي باري، كان ذلك قريبًا من صلاة العصر في الرابعة مساءً، هناك طريق ضيق بالقرب من المحكمة، محكمة الجنايات الكائنة في مبنى العدل".

جرى تدوين شهادته من خلال مقابلة صوِّرت معه سرًّا وقد حصلت وحدة تحقيقات الجزيرة على نسخة منها.

  يقول ضاحكًا "ذهبت إلى هناك حيث ناولني شيئًا مكتوبًا داخل مظروف، ففتحته ورأيت ما فيه. كانت تلك عقوبة نشيد"، كان أويتي يعمل سائقًا لدى أحمد أديب الذي كان يعمل حينها وزيرًا للسياحة. ما لبث أحمد أديب أن ارتقى إلى منصب نائب الرئيس، ولكن لم يطل به الوقت في ذلك المنصب حتى ناله ما نال محمد نشيد، وصدر عليه كذلك حكم بالسجن بتهمة الإرهاب.

تناول الوزير أديب من سائقه الحكم الخاص بنشيد وصوره باستخدام هاتفه النقال وأرسل الصورة إلى رئيسه في العمل، يقول أويتي "قال الرئيس لأديب إن شيئًا يجب أن يتغير في نص الخطاب المكتوب… وفي تلك الليلة حكموا على نشيد".

أحكام مسيسة
يقول الصحفي في وحدة تحقيقات الجزيرة لنشيد "إذن، يبدو أن عقوبة السجن بحقك لثلاثة عشر عامًا صدرت بأمر مباشر من الرئيس".

 تنهد كما لو كان يريد التأكيد على خيبة أمل لم تفاجئه، وقال "إنه شيء محزن. لقد حُبست بلا وجه حق وبشكل غير قانوني لفترة طويلة وشردت عائلتي من بيتنا، ثم وجب علي أن أغادر المالديف"، "كل هذه الأحكام والعقوبات المسيسة صدرت بأمر مباشر من الرئيس يمين. هذا ما كان يقال لي ولكن هذا هو ما أثبتموه بلا أدنى شك بالطبع.

توصلت المجموعة العاملة التابعة للأمم المتحدة بشأن الاعتقال التعسفي إلى أن التهمة الموجهة لي كانت باطلة، وأن المحاكمة التي أجريت لي كانت باطلة، وأن العقوبة التي صدرت في حقي كانت باطلة، وأن من حقي الحصول على تعويض، إلا أن حكومة المالديف قررت تجاهل ذلك كله". 

‪‬ الرئيس السابق محمد نشيد أثناء اعتقاله(الجزيرة)
‪‬ الرئيس السابق محمد نشيد أثناء اعتقاله(الجزيرة)

أخفقت حكومة المالديف والمحكمة العليا فيها في الرد على طلب توجهت به وحدة تحقيقات الجزيرة إليهما أثناء كتابة هذا المقال للتعليق على الموضوع.

بطل البيئة
على الرغم من أن راية حزبه الصفراء وسياسته المحافظة الزرقاء "نحن حزب يمين الوسط" فإن محمد نشيد بطل من أبطال البيئة الخضراء، بل يكاد يكون من أبرز شخصيات الدفاع عن البيئة في العالم.

ولذلك، كان مناسبا جدا أن يستعين بالمحامية الشهيرة أمل كلوني لتتولى مهمة الدفاع عنه. لم يسبق لسجن معفوشي أن غشيته شخصية مشهورة بهذا الحجم عندما خطت بأقدامها داخله السيدة كلوني في الثامن من سبتمبر من العام الماضي لتلتقي بموكلها.

وبحلول شهر يناير كانت قد أتمت إعداد تقريرها، ثم ما لبثت أن حررته من السجن وأطلقت سراحه، وظهر الاثنان وهما يتعانقان في مطار هثيرو أمام جمع من مصوري الصحافة.

ضمن محمد نشيد الحصول على إجازة مرضية من السجن، ولكنه قرر سريعًا فيما بعد عدم العودة إلى المالديف خلال مدة الثلاثين يوما التي تضمنتها شروط إطلاق سراحه، ولم تجر له العملية الجراحية التي من المفروض أنه جاء إلى لندن لإجرائها.

بدلاً من ذلك انهمك في جولة إعلامية مكثفة شملت المشاركة في سباق للكراسي في بلدة هاي أون واي وكذلك إجراء سلسلة من المقابلات التلفزيونية، وبحلول شهر أغسطس منحته الحكومة البريطانية اللجوء، ولكنه كان قد انتقل إلى سريلانكا، وتزامن ذلك مع تقارير أفادت بأن المعارضة كانت تخطط لإسقاط الحكومة.

شأن عائلي
قد يكون محبوبًا في الخارج، أما في بلاده فمواقف الناس من محمد نشيد متباينة. هناك كثيرون يحبونه، ولكن كثيرين آخرين يكرهونه، ومثل هؤلاء الناس في الأغلب هم من أنصار العائلة السياسية الأخرى المهمة، عائلة عبد القيوم.

لقد أذن فوز نشيد في انتخابات عام 2008 بإنهاء ثلاثين عاما من حكم رجل واحد هو مأمون عبد القيوم، وهو الأخ غير الشقيق للرئيس الحالي. السياسة في المالديف شأن عائلي، وكل أبناء عبد القيوم الأربعة منغمسون في العملية السياسية حتى النخاع.

 ما زالت البلاد تشهد حربًا بين جيل الأبناء تجري رحاها في ساحات مختلفة، من أبرزها ساحة القضاء.

 يقول نشيد: "بوجود دستور عام 2008 أراد شعب المالديف تغيير ثلاثة عناصر أساسية. أرادوا سلطة تنفيذية مستقلة منتخبة، وأرادوا مجلسا تشريعيا مستقلا أيضا، كما أرادوا جهازا قضائيا مستقلا يتشكل من قضاة قادرين ومتعلمين ومبدئيين، إلا أننا لم نتمكن من الحصول على ذلك".

توافق الناشطة في مجال الدفاع عن استقلال القضاء آيشاث فيليزيني على ذلك، وتقول "كانت المالديف تحتاج إلى إعادة تشكيل جهاز قضائي جديد بالكامل، وبذلك لم تكن المالديف لتحصل على أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي فقط، وإنما أيضا على أول جهاز قضائي مستقل. هذا الجزء لم يتحقق إطلاقا، وأظن أن هذا هو لب المشكلة".

وهي في ذلك تلوم محمد نشيد كما تلوم كل مسؤول آخر بسبب إخفاقهم في تنظيف الجهاز القضائي. وفعلاً، ما لبث رئيس الجزيرة أن أدرك عواقب إخفاقه في إنجاز ذلك.

اعتقال أحد القضاة
في يناير من عام 2012، وبينما كان لا يزال رئيسًا للبلاد، أمر نشيد بإلقاء القبض على كبير القضاة في المحكمة الجنائية الذي كان يشكو من تعطيله لقضايا الفساد، وكان من عواقب ذلك أن تفجرت أزمة سياسية أدت في النهاية إلى إجبار نشيد في شهر فبراير على الاستقالة.

 يقول نشيد عن ذلك "بالطبع كان الأمر مخيفًا، وكان ذلك بالتأكيد عملية انقلابية بكل ما تعنيه الكلمة، تعرضت للتهديد ومورست علي الضغوط حتى أكرهت على التنحي".

يلوم نشيد الرئيس يمين ويحمله مسؤولية الإطاحة به، ويقول "لقد كان الرأس المدبر، وكانت له أسبابه التي حملته على القيام بذلك"، وأضاف "اتصل بي يمين هاتفيا حينما كنت في مقر القيادة العسكرية، وقال لي إن علي أن أذهب إلى "عاره" (الجزيرة الرئاسية)، أو ينبغي أن أذهب إلى جزيرة أخرى. كما تعلم، طلب مني أن أذهب إلى هناك، وأن أبقى منعزلاً، وأنه ينبغي علي أن أقوم بكل ذلك. لقد اتصل بي فعلاً".

 يعتقد نشيد أن "العامل الكبير الذي ساهم" في اتخاذ يمين تلك الإجراءات هو مضي حكومة نشيد قدمًا في التحقيق في قضية فساد كان قد تورط فيها فرع سنغافورة لمنظمة التجارة التابعة لدولة المالديف.

تظهر وثائق حصلت عليها الجزيرة تزيد عن 2000 صفحة أن المحاسبين يقدرون أن ما لا يقل عن 142 مليون دولار اختلست من منظمة التجارة التابعة لدولة المالديف. وكان يمين رئيسًا لهذه المنظمة من 1990 حتى 2005، واستمر يلعب فيها دورًا فاعلا إلى أن استقال من منصبه فيها، وقد اتهم بأنه كان ذا دور مركزي في عمليات النصب والاحتيال التي مورست من خلالها.

لكن القضية لم تصل إلى المحكمة بتاتًا، ويقول أحد المسؤولين الكبار إن الأمر صدر بعد أيام من الانقلاب بوقف كل الإجراءات المتعلقة بالقضية، ولم يتسن للموظفين التابعين لنشيد في سنغافورة جمع أوراقهم.

اجتماعات المرآب
لا تقتصر الحكايات التي يقصها أويتي بشأن الإفساد القضائي على الحكم الصادر في حق نشيد، بل يتكلم بصراحة حول رشوة القضاة، ومنهم على سبيل المثال عبد الله ديدي القاضي في المحكمة العليا، الذي كان "باستمرار يرسل دفعات تتكون من عشرين ألف دولار إلى زوجته وأولاده في ماليزيا".

 يقول أويتي: "كل شهرين أو ثلاثة أشهر كان علي أن أسلمه في بعض الأوقات 200 ألف روفيا، وفي أوقات أخرى 20 ألف دولار"، ويضيف موضحًا "كان ديدي واحدًا من القضاة الذين حكموا على نشيد".

يقول أويتي إن قاضيا آخر في المحكمة العليا اسمه علي حميد، استلم أيضا شقة سجلت باسمه لإخفاء هوية القاضي. وتظهر بيانات الهاتف التي حصلت عليها الجزيرة أن القاضي حميد كان بانتظام يتلقى المال ويستخدم علاقاته السياسية لضمان الوظائف لأقاربه.

إلى جانب الرشوة يوضح أويتي أيضا كيف أن الرئيس ونائب الرئيس كانا بانتظام يجريان مكالمات جماعية في وقت متأخر من الليل مع كبار القضاة لمناقشة القضايا التي يتم التداول بشأنها في المحاكم. وكان نائب الرئيس أديب والقضاة ينتقلون بالسيارة إلى مرآب في منطقة نائية ليتصلوا من هناك بالرئيس هاتفيًّا.

يقول أويتي "كان المرآب كبيرًا جدًّا، وكانت سيارتان تدخلان فيه. كان أديب يجلس في المقدمة، وكانوا يتصلون بالرئيس من هاتف أديب".

يسأل المحاور: "لماذا يجري اللقاء في المرآب؟" فيجيب أويتي: "لأنه لا أحد سيساوره شك بأن ثمة أشخاصا داخل السيارة. وإلا، لو كان اللقاء يجري في شقة من الشقق لما تمكنوا من الخروج".

مالي مدينة مزدحمة جدا، يقطنها ما يزيد على 150 ألف نسمة في مساحة لا تزيد عن 1.6 كيلومتر مربع، ولذلك يصعب فيها ضمان السرية.

قضاء غير قانوني
سأل صحفي الجزيرة محمد نشيد عن اجتماعات المرآب، فقال "من المؤسف أن الطبقة العليا من الجهاز القضائي تتكون من قضاة في غاية الفساد، وإذا أردنا أن نوجد مجتمعا نظيفا ونزيها فإنه يجب علينا استئصال هذه الطبقة".

تذهب فيليزيني إلى أبعد من ذلك، حيث تقول إن الجهاز القضائي يحتاج إلى أكثر من مجرد الاستئصال، فهو في رأيها يحتاج إلى أن يوارى الثرى حتى يولد من جديد.

 وتقول "إن ما يوجد اليوم غير قانوني. كان من المفروض أن يعاد تشكيل القضاء أثناء التحول الديمقراطي، إلا أننا فشلنا في إنجاز ذلك، ولذلك يعتبر القضاء بصورته الحالية انتهاكا للدستور، لم يتغير شيء في الجهاز القضائي أثناء عملية التحول نحو الديمقراطية، وما زال النظام على ما كان عليه دون تغيير، فإذا ما توجهت إلى أحد القضاة من أجل شيء ما فإن عليك أن تعطيه بعضا مما لديك حتى يعطيك شيئا مما لديه. هذا هو نموذج العدالة الموجود لدينا".

 ولذلك فهي تطالب بتحقيق شامل في الإخفاق الذي وقع بادئ ذي بدء في عملية تنظيف الجهاز القضائي، وتريد بعد ذلك أن يتعلم الناس دروسا مما حصل وأن يطبقوا ذلك في عملية إعادة البناء.

وتقول إنه بغير ذلك فإن المالديف لن يكون لديها كثير أمل في تنظيف السياسة من الفساد، وتضيف  "إذا لم يكن الجهاز القضائي على ما يرام فلا أمل في تحقيق الديمقراطية".

المصدر : الجزيرة