هل يكون "الإسلام الفرنسي" هو الحل؟

محمد البقالي-باريس
في أجواء مشحونة بالسجال بشأن الإسلام في فرنسا، بدأت الحكومة الفرنسية مشاورات لإنشاء هيئتين جديدتين بهدف وحيد هو "تعزيز إسلام فرنسي" منسجم مع قيم الجمهورية العلمانية، مما أثار سجالا بشأن الإضافة التي ستقدمها هاتان المؤسستان.
ويتعلق الأمر بمؤسسة "إسلام فرنسا" التي عُهد برئاستها -كما كان متوقعا- إلى الوزير الفرنسي السابق جان بيير شوفينمون، وحددت مهامها في الإشراف على التكوين غير الديني للأئمة، ودعم البحوث في مجالات العلوم الإسلامية، وتمويل المعارض وكل المشاريع التي لها علاقة بإدماج الإسلام في المجتمع الفرنسي.
وسيتشكل مجلس الإداري لهذه المؤسسة من ممثلين عن وزارة الداخلية الفرنسية وعن المجلس الفرنسي للدين الإسلامي، بالإضافة إلى شخصيات ثقافية معنية بقضايا الإسلام في فرنسا.
وبالموازاة مع هذه المؤسسة، سيتم إنشاء جمعية ثقافية أخرى لم يحدد بعد اسمها، وإن حدد هدفها وهو توفير التمويل للمساجد بعيدا عن أموال الخارج، حيث يجري التفكير في طريقة مبتكرة لإيجاد التمويل تتمثل في مساهمات اختيارية من قبل الشركات العاملة في قطاع المنتجات الحلال.
مشاورات وجدل
وقد بدأ وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف المشاورات مع كل من المجلس الفرنسي للدين الإسلامي -وهو المجلس الذي تأسس منذ عام 2003 وينظر إليه من قبل السلطات باعتباره الممثل الرسمي للمسلمين في فرنسا- ورئيس "مؤسسة إسلام فرنسا" جان بيير شوفينمان -الوزير السابق الذي يثير ترشيحه للمنصب جدلا بين مؤيد ومعارض- ومع شخصيات ثقافية يتوقع أن تنضم إلى المؤسسة.
ومع الإعلان عن إنشاء هاتين المؤسستين، يثور سجال في فرنسا حول ما إذا كانت الإضافة التي ستقدمانها تتناسب والزخم الذي رافق الإعلان عنهما، خاصة في ظل وجود مؤسسات سابقة أوكلت لها أهداف مشابهة لم يتحقق منها إلا النزر اليسير.
كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الفرنسي للدين الإسلامي، وعن "الحكمة" من اختيار رئيس غير مسلم لقيادة مؤسسة ستعنى بالشأن الإسلامي في فرنسا.

انطلاقة خاطئة
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية رفاييل لواجييه، صاحب كتابي "أسطورة الأسلمة" في فرنسا و"حرب الحضارات لن تقع"، أن التركيز على التمويل الأجنبي للمساجد باعتباره معرقلا للاندماج، يمثل انطلاقة خاطئة لا تدفع إلى كثير من التفاؤل بشأن عمل هذه المؤسسة.
واعتبر أن ربط محاربة الإرهاب بمنع التمويل الأجنبي فيه من الأوهام أكثر من الحقائق، موضحا أن تسمية شخص غير مسلم على رأس مؤسسة تعنى بالشأن الإسلامي يرسل رسالة خاطئة للمسلمين مفادها أن الدولة لا تثق بهم، وكأنه ليس هناك مسلم واحد يصلح للقيام بهذه المهمة.
ولا يختلف موقف رئيس الائتلاف ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا سامي الدباح من تعيين شوفينماون على رأس المجلس، عن موقف لواجييه، إذ اعتبر الشخصيات التي تم تعيينها في هذه المؤسسة لا توحي بأن الدولة الفرنسية ترغب فعلا في معالجة القضايا الحقيقية المطروحة بشأن الإسلام فرنسا.
وأشار في هذا السياق إلى ما وصفها بالبداية الخاطئة لشوفينمان، حينما طلب من المسلمين قبل أسبوعين خلال أزمة لباس البحر الساتر المعروف بـ"البوركيني"، بالتخفي أثناء ممارسة شعائرهم.

شرط الاستقلالية
ويرى الدباح أن المؤسسة الجديدة لا يتحقق فيها شرط الاستقلالية، إذ إنها تبدو مرتبطة بالحكومة الفرنسية مما يفقدها كثيرا من مصداقيتها، كما أن الأهداف التي وضعت لها لا تعبر عن انشغالات المسلمين الحقيقة بقدر ما تعبر عن انشغالات الحكومة.
ولفت إلى ما وصفه بتناقض صارخ تقع فيه هذه الحكومة من خلال رغبتها في جمع التمويل اللازم للمؤسسة وللمساجد التي سيتم بناؤها من قبل المسلمين، دون أن تكون هذه المؤسسة معبرة فعلا عن انشغالاتهم وهواجسهم.
واعتبر أن على فرنسا إن أرادت فعلا أن تحل مشكلة علاقتها بالمسلمين، أن تعمل مع الفاعلين المدنيين الذين يمثلون حقيقة المسلمين على أراضيها، وأن تهتم بالقضايا التي تشغل فعلا المسلمين، لا أن تفرض عليهم قضايا لا تمثل أهمية كبرى على جدول أولوياتهم.