عودة المغرب للاتحاد الأفريقي.. فصل آخر بنزاع الصحراء

الحسن أبو يحيى-الرباط
يأتي طلب المغرب العودة إلى الاتحاد الأفريقي بفعل قناعة جديدة بأن سياسة المقعد الفارغ لم تعد تصبّ في صالح دفاعه عن وحدته الترابية وفق محللين، في وقت يرى البعض أن جدية مشروع الحكم الذاتي وسحب دول أعضاء في الاتحاد اعترافها بالبوليساريو وراء هذا القرار.
وفي الرسالة التي بعثها إلى القمة الـ27 للاتحاد الأفريقي المنعقدة بالعاصمة الرواندية كيغالي، أوضح الملك المغربي محمد السادس أن المغرب الذي انسحب من منظمة الوحدة الأفريقية في ظروف خاصة لم يغادر أفريقيا أبدا.
وكان المغرب قد قرر الانسحاب من منظمة الوحدة الأفريقية (التي تغيّر اسمها لاحقا إلى الاتحاد الأفريقي) في القمة الأفريقية المنعقدة في نوفمبر/تشرين الثاني 1984 احتجاجا على قبوله انضمام جبهة البوليساريو في المنظمة.
وقال "إن الوقت قد حان ليسترجع المغرب مكانته الطبيعية ضمن أسرته المؤسسية بحيث يمكنه أن يساهم في جعل هذه المنظمة أكثر قوة بعد تخلصها من مخلفات الزمن البائد".
وأرجعت ممثلة المغرب في الاتحاد البرلماني الأفريقي آمنة ماء العينين السبب إلى اقتناعه بأن سياسة المقعد الفارغ لا يمكنها أن تكون ناجعة في خدمة قضيته "وقد أخذ الوقت اللازم للتفكير استحضارا لمجموع التحولات والمستجدات الطارئة على مستوى إشراف الأمم المتحدة على النزاع بين المغرب والبوليساريو".

فرصة مفتوحة
من جانبه يرى رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات عبد الرحيم المنار أسليمي أن الظرفية الدولية والإقليمية الراهنة تقدم فرصة مفتوحة تفسر قرار العودة للاتحاد.
وقال للجزيرة نت إن ميزان القوى الإقليمية بات يميل لفائدة المغرب بعد الاختراقات الدبلوماسية التي حققها خلال السنوات الماضية في غرب أفريقيا وصولا إلى الدول الأفريقية الناطقة بالإنجليزية، وشروعه في مفاوضات مع قوى كبرى مؤثرة مثل نيجيريا.
وبالإضافة إلى هذه الأسباب، يرى أسليمي أن وجود البوليساريو ولّد شعورا لدى عدة دول أفريقية بأنه أحدث شرخا في أفريقيا "ومن شأن استمراره أن يشجع حركات انفصالية أخرى تشكل خطرا على وحدة الدول الأفريقية وسط متغيرات عدم الاستقرار التي يعرفها النظام الدولي برمته".
من جهته قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش إدريس لكريني إن علاقات المغرب بالدول الأفريقية توطدت في السنوات الماضية، وأصبح شريكا متميزا لها على المستوى الاقتصادي إلى جانب حضوره القوي في تدبير بعض الأزمات بالبلدان الأفريقية في إطار الأمم المتحدة، أو في سياق جهود تقودها الرباط.
الوحدة والاستقلال
وقال لكريني للجزيرة نت إن موقف المغرب يستمدّ قوته من جدية مشروع الحكم الذاتي الذي يجمع بين مطلبي الوحدة والاستقلال في مقابل الركود الذي يطبع مواقف الطرف الآخر.
وأضاف أن عودة المغرب ستمكّن من تجاوز النظرة الأحادية "التي ظلت تتردد في جنبات الاتحاد الأفريقي في ما مضى، وهو ما سيسمح بتقوية جبهة الأطراف الرافضة لوجود هذا الكيان المفتقد للمواصفات المتعارف عليها دوليا".
وفي المقابل توقّعت ماء العينين في حديث للجزيرة نت أن يتم عزل البوليساريو "ولفظها من طرف الاتحاد الأفريقي لأنها غير قادرة على الإقناع بوجودها".
وأضافت أن عودة المغرب هي من أجل إقناع منظمة الاتحاد الأفريقي بعدم جدوى الاعتراف بكيان لا تعترف به الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي.

معركة جديدة
وبحسب أسليمي فإن المغرب يخوض معركة دبلوماسية جديدة لإنهاء عضوية البوليساريو، مما سيُدخل ملف الصحراء مرحلة قد تكون الأخيرة في مسار هذا النزاع.
أما ماء العينين فاعتبرت أن مستقبل النزاع سيكون إيجابيا تجاه مطالب المغرب بالنظر إلى الدعم الذي استطاع حشده دوليا مستثمرا إشعاعه بوصفه بلدا مستقرا يقود مسارا ديمقراطيا وتنمويا ملهما.
وتضمنت رسالة وجّهها 28 بلدا عضوا في منظمة الاتحاد الأفريقي إلى رئيس جمهوية تشاد بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي ترحيبا بقرار المغرب العودة إلى الاتحاد.
وتشير الرسالة التي نشرتها وكالة المغرب العربي للأنباء إلى أن هذه الدول ستعمل من أجل "تعليق مشاركة ما تسمى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في أنشطة الاتحاد الأفريقي وجميع أجهزته من أجل تمكين الاتحاد الأفريقي من الاضطلاع بدور بناء والمساهمة بشكل إيجابي في جهود منظمة الأمم المتحدة قصد التسوية النهائية للنزاع الإقليمي حول الصحراء".