عمال المقالع بالأردن.. حياة أقسى من الصخر

الجزيرة نت-عمان
وليس الوصول لتلك المقالع بالأمر الهيّن، إذ تمر الرحلة ولمدة طويلة بطريق صحراوية متعرجة مليئة بالحفر والمطبات الصخرية، لا تعبرها إلا سيارات رباعية الدفع رفقة دليل متمرس على الصحراء.
تزخر مقالع معان بأفضل أنواع الحجارة الجيرية وأغلاها ثمنا في الأردن، يستخرجها عمال تحت أشعة شمس حارقة في ظروف يمكن وصفها بعبودية مسكوت عنها، حيث يحمل العامل الواحد ويرفع لسبعين مرة على الأقل في اليوم حجارة تزن في كثير الأحيان 150 كيلوغراما إلى شاحنات مخصصة لنقلها باتجاه كسارات قص الحجر، تمهيدا لإرسالها إلى السوق.
أقسى من الصخور
أبو هارون رجل تجاوز الخمسين من عمره، ورغم ذلك ما زال يعمل في مقلع ويحمل مطرقة كبيرة يكسر بها الحجارة قبل أن يحملها إلى الشاحنة، يقول للجزيرة نت بعدما توقف للحظات "نعيش في وضعية صعبة أقسى من الصخور التي نكسرها يوميا".

ويضيف "كنت عتالا قبل أن أعمل في تكسير الحجر، حملت الصخور على ظهري سنوات طويلة، إلى أن تعرضت لإصابة بالغة في ساقي"، ورغم إصابته وقلة الأجر (150 دولارا شهريا) لم يغادر أبو هارون المقلع لأنه "لا يوجد عمل بديل".
الحكايات نفسها تتكرر لدى العاملين في مقلع مجاور، أجساد تحمل أرواحا معذبة تحت حر قائظ، تحمل حجارة قد يبلغ وزنها 200 كيلوغرام، وتعمل لثلاثة عشرة ساعة دون تأمين صحي أو ضمان اجتماعي وبراتب هزيل.
غالبية العمال من الوافدين، يغطون وجوههم ويرفضون تصويرهم، ويقول أحدهم "نخشى أن يتسبب ظهورنا في قطع أرزاقنا من قبل أرباب العمل"، ويضيف بصوت متهدج "غالبية العمال الوافدين يخشون أن يراهم ذووهم يمارسون مهنا قاتلة.. هنا قضى عمال، وسجلت إصابات خطيرة". ويقول عامل آخر "محدش من أهلنا بيعرف أننا بنشتغل الشغلانة دي".
وفاة وإصابات
ويؤكد عمال بأحد المقالع للجزيرة نت وفاة ثلاثة عمال العامين الماضيين ووقوع إصابات بشكل شبه يومي من دون أي مراقبة صحية واهتمام من القائمين على تلك المقالع والمسؤولين عنها، ويشتكون من عدم تعويض عائلات المتوفين.

وبنبرة حزينة يقول أحد العمال "لا أزل أذكر ذلك اليوم جيدا، يوم مات زميلي حسن أمام عيني، كان يحمل حجرا كبيرا ويهم بنقله إلى الشاحنة وفي منتصف الطريق تعرض لجلطة حادة أفقدته الحياة"، ويضيف "انتهت القصة بموت حسن ولم يتعرف عليه أحد، ونقل جثمانه إلى بلاده وأغلق الملف".
ويقول عامل آخر "أتيت لهذه المقالع قبل 15 عاما، أقربائي عملوا هنا قبلي نصحوني بالقدوم لاشتغل معهم، قالوا لي إنها مهنة سهلة لكن الواقع مختلف، هناك أصابع تفرم (تتقطع) وناس يموتون بالجلطة وأصحاب المقالع يعطونا الفتات". ويضيف "عندي أربعة عيال وأمهم خمسة ولأجلهم أحمل الحجر، ليس سهلا إيجاد عمل آخر".
علاج لوجه الله

ويبرر أبو زاهر صاحب أحد المقالع سبب عدم تسجيل عمال الحجر في الضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي بـ"وجود اتفاق قديم بين أصحاب المقالع والعتالة (العمال)، ولا أحد يجبرهم على شيء"، ويضيف "ليسن عند العتالة تأمين صحي أو ضمان لأنهم يخدمون أكثر من 40 محجرا في اليوم. وهذا ليس أمرا جديدا".
أما في حالة الإصابة فيقول أبو زاهر "إذا أصيب أحد في مصلحتي أعالجه على نفقتي الخاصة لوجه الله تعالى".
ويلاحظ المراقبون أن الحديث عن وضعية فئة عمال التعدين والمحاجر يغيب في التقارير الحقوقية، بينما لا تتحدث وزارة العمل إلا باقتضاب عن الانتهاكات التي تعج بها مقالع الحجارة، وتقول إنها تنظم زيارات تفتيشية وتعاقب المخالفين.