أي تداعيات للصراع في بحر جنوب الصين؟

علي أبو مريحيل-بكين
وحسب مراقبين، يأتي ذلك في مسعى من واشنطن لإعطاء النزاع طابعا دوليا بعد نجاحها في إخراجه من دائرة الخلافات الثنائية، حين دفعت دول جنوب شرق آسيا إلى التفاوض كطرف واحد مع الصين، وقد أثمر ذلك عام 2002 التوقيع على "إعلان سلوك الأطراف" الذي يحظر على أي طرف القيام بإجراءات أحادية استفزازية.
وكانت الولايات المتحدة أعلنت صراحة وفي غيرما مناسبة أن استمرار التوتر في بحر جنوب الصين يقوّض مصالحها الإستراتيجية، كما دعت مرارا إلى إيجاد آلية دولية لحل النزاع، الأمر الذي اعتبرته الصين تدخلا سافرا في شؤون وقضايا المنطقة.
ولم يقف صراع النفوذ بين الصين وأميركا عند حدود التصريحات والحرب الكلامية، إذ سارع الطرفان إلى ترجمة أقوالهما إلى أفعال وإجراءات عملية، فبنت الأولى مجموعة من الجزر الصناعية في المياه القريبة من الفلبين وأعلنت عزمها نشر منظومة للدفاع الجوي، فردت واشنطن بإرسال المدمرة "لاسن" إلى المنطقة لتأكيد سيادتها وتفوقها العسكري.
وردت الخارجية الصينية باستدعاء السفير الأميركي وقدمت له احتجاجا شديد اللهجة على دخول المدمرة المياه الإقليمية الصينية، تلا ذلك اعتراض مقاتلات صينية طائرات استطلاع تابعة للبحرية الأميركية، مما دفع وزارة الدفاع في واشنطن إلى وصف هذه الحوادث بأنها "أعمال استفزازية".
وعقب إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة والفلبين، اتهم وزير الخارجية الصيني وانغ يي واشنطن بعسكرة بحر جنوب الصين من خلال نقل الأسلحة الثقيلة وبناء المزيد من القواعد العسكرية في المنطقة. وبعد أقل من شهر طالب نظيره الأميركي جون كيري السلطات الصينية بعدم اتخاذ إجراءات أحادية استفزازية، وذلك عشية زيارة قام بها الأخير إلى العاصمة الصينية بكين للمشاركة في الحوار الإستراتيجي الاقتصادي بين البلدين.
تقاسم نفوذ
وتعليقا على الأزمة، استبعد مدير معهد السياسة العامة في جامعة جنوب الصين للتكنولوجيا لي مينغ بو حدوث مواجهة عسكرية مباشرة بين بكين وواشنطن، لكنه لم يستبعد أن تشعل الولايات المتحدة حربا بالوكالة مستخدمة حلفاءها في المنطقة الطامعين بالإغراءات الأميركية الاقتصادية والعسكرية.

وقال لي في حديثه للجزيرة نت "رغم غياب أرض أو حدود بحرية للولايات المتحدة، فإنها تتصرف وكأنها طرف رئيسي في النزاع، مما يؤكد أهمية المنطقة في الإستراتيجية الأميركية الجديدة التي تسعى إلى بسط نفوذها على ثاني أهم الممرات البحرية في العالم، غير أن ذلك يصطدم بالهيمنة الصينية، لذلك تمارس واشنطن المزيد من الضغوط على بكين لحثها على التنازل وتقاسم النفوذ في المنطقة".
وعن القرار المرتقب للمحكمة الدولية، أشار لي إلى أن أي قرار سيصدر عن المحكمة لن يحل المشكلة، بل سيزيدها سوءا وتعقيدا، وسيخلق المزيد من المشاكل للصين مع دول "آسيان"، وهو ما اعتبره مطلبا وغاية أميركية للحد من تنامي نفوذ الصين واحتواء تأثيرها على باقي الدول.
الضغط على بيونغ يانغ
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن اندفاع الولايات المتحدة كلاعب أساسي في النزاع القائم ببحر جنوب الصين، لا يقتصر فقط على تأمين مصالحها الإستراتيجية في المنطقة الغنية بالغاز والثروات الطبيعية، بل أيضا يهدف إلى مزيد من الضغط على الصين، الحليف والجار الأكبر لكوريا الشمالية.

ويعتبر هؤلاء أن ذلك يأتي لحث بيونغ يانغ على التخلي عن برنامجها النووي، خصوصا أن هناك خلافا في وجهات النظر بين الصين والولايات المتحدة حول آلية الرد على التجارب الكورية النووية، حيث فرضت واشنطن عقابات شديدة بينما دعت بكين إلى الحوار.
وبغض النظر عن غايات واشنطن وأهدافها، يرى مراقبون أن بكين تدرك جيدا أن تعاظم الوجود العسكري الأميركي في بحر جنوب الصين بات واقعا ملموسا، وأن أي قرار سيصدر عن المحكمة الدولية خلال الأسابيع المقبلة لن يكون في صالحها.
ولهذه الأسباب، يؤكد محللون أن بكين كثفت خلال الفترة الأخيرة جهودها في تسويق موقفها الرافض للتحكيم الدولي والداعي جميع الأطراف إلى النقاش والحوار، إلا أنه لا أحد من الداعمين لموقفها والمساندين لها تطل حدوده على بؤرة النزاع في بحر جنوب الصين.