هل هي ثورة جياع وشيكة بمناطق النظام السوري؟

محمد كناص-غازي عنتاب
7500 ليرة سورية (نحو 16 دولارا) هي كل ما أضيف لرواتب الموظفين في مناطق سيطرة النظام السوري، بمرسوم أصدره الرئيس بشار الأسد، في 18 من الشهر الجاري، تحت اسم "التعويض المعيشي للعاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين بعقود سنوية".
لم يمر أكثر من يومين بعد تلك الزيادة حتى صدر قرار من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يقضي بتعديل سعر لتر البنزين ليصبح 225 ليرة سورية (45 سنتا) بدلا من 160 ليرة، وسعر لتر المازوت ليصبح 180 ليرة (36 سنتا) بدلا من 135 ليرة، وسعر أسطوانة الغاز المنزلي لتصبح 2500 ليرة (5.5 دولارات) بدلا من 1800 ليرة.
وقد ألهب رفع الأسعار ذاك الأسواق خلال ساعات فقط، وبالكاد استوعب الناس ما حصل، في وقت أثقلت الحرب فيه كواهلهم.
ولأول مرة ومنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، يتجمهر عشرات الأشخاص أمام مجلس الشعب، حاملين لافتات تعبر عن غضبهم ومطالبهم بأن يقوم أعضاء البرلمان بمحاسبة الوزراء المسؤولين عن قرار زيادة أسعار المحروقات، والوقوف إلى جانب الشعب في معاناته ومحنته التي ستتضاعف مرات عدة.
وحسب مراقبين فإن لجوء النظام السوري إلى رفع الأسعار يشي كثيرا بوضعه المأزوم منذ ست سنوات تقريبا.
وفي وقت اعتبر فيه البعض أن التجمع أمام مجلس الشعب هو الشرارة الأولى لثورة الجياع القادمة في مناطق النظام، وصف آخرون هذا التجمع بأنه آخر ما أخرجته الأستديوهات الفنية الملحقة بأجهزة الأمن التابعة للنظام.

اقتصاد الحرب
يقول المحلل والمتخصص في الشؤون الاقتصادية مصطفي السيد إن النظام استطاع من خلال تلك الزيادة أن يدخل يوميا إلى خزينته نحو نصف مليار ليرة (مليون دولار) من خلال رفع سعر مادتي البنزين والمازوت فقط.
ويضيف أن هذه الزيادة يوجهها النظام مباشرة إلى رفد ودعم جبهاته وحربه التي يشنها على الشعب منذ ست سنوات، ويعتبر أنه في اقتصادات الحرب يكون مثل هذا السلوك متوقعا من الأنظمة القمعية، على حد وصفه.
ويتابع "النظام السوري أجرى عملية حسابية بسيطة، فوجد أن مناطقه تستهلك يوميا 4.5 ملايين لتر مازوت ومثلها من مادة البنزين، والزيادة عليها ستؤتي ثمارها على خزينته".
ويؤكد السيد أن سعر لتر البنزين والمازوت أرخص بعدة مرات في المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية منه بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
ويشير السيد أنه في عام 2009 رفع النظام أسعار البنزين والمازوت لأول مرة وبشكل مضاعف عما كانت عليه من قبل، موضحا أنه عقب ذلك بدأت موجة غضب وغليان في البلاد انتهت في 2011 بثورة لا تزال قائمة حتى الآن.
ويوضح المحلل الاقتصادي مصطفى السيد أن أكثر من 90% من الشعب السوري باتوا تحت خط الفقر، لافتا إلى أنه بعد هذه الزيادة لن يكفي راتب الموظف لأكثر من أربعة أيام.
صناعة نظام
ويقول الصحفي محمد منصور تعليقا على ردة فعل الشارع تجاه رفع الأسعار "لايمكن اعتبار المظاهرة الهزيلة التي رأينا صورها أمام (مجلس الدمى) المعروف اصطلاحا بـ(مجلس الشعب) بداية لثورة جياع".

ويبرر ذلك بكون البيئة الأمنية في دمشق، لا يمكن أن تسمح بمظاهر احتجاج يمكن أن تنتهي إلى ثورة.
ويضيف منصور أنه لو كانت بنية النظام الاستبدادية التسلطية تسمح بالتظاهر لما وصلت سوريا إلى مرحلة الانفجار، حسب وصفه.
ويؤكد منصور أن كل الدلائل تشير إلى أن هذه المظاهرة من صناعة النظام ورعايته، معبرا عن اعتقاده بأنه لو لم تكن كذلك لقابلها كما قابل الاحتجاجات في شتى أنحاء سوريا على مدى خمس سنوات بالرصاص والاعتقالات والسحل في الشوارع، ولرأيت "النشطاء" ملثمي الوجوه، لا يحملون لافتات يلتقطون صورا معها ثم ينشرونها بكل اطمئنان على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويعتبر الصحفي منصور أن مصلحة النظام السوري من الاحتجاجات هي تسويق صورة جديدة لانتخابات مجلس الشعب وترويج فكرة أن هناك معارضة وطنية يمكن أن تسقط الحكومة باحتجاجاتها، ويقول إنها حالة خلط للأوراق وتضليل وتفريغ كل شيء من محتواه الحقيقي.