مطالب باعتبار قابس التونسية ضحية لنظام بن علي
معز الجماعي-قابس
تقدمت رابطة حقوق الإنسان في قابس التونسية بطلب لهيئة الحقيقة والكرامة لاعتبار الجهة ضحية للنظام السابق، جراء ما لحقها من أضرار اقتصادية وبيئية خلال فترة حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
ويفيد سكان المناطق المحاذية لوحدات الصناعات الكيميائية، أن الضرر البيئي الذي طال جهة قابس لم يقتصر على إصابة الأهالي بأمراض على غرار الربو والسرطان، وإنما طال الأراضي الزراعية وحرم المحافظة من مشاريع استثمارية وسياحية.
ويرفض النشطاء في مجال حماية البيئة والمحيط في الوقت الراهن التوجه إلى القضاء التونسي لإنصاف أهالي محافظة قابس.
ويعتبرون أن عدم إرساء قوانين واضحة تتعلق بالبيئة سيحول دون تسجيل أي مواقف إيجابية من قبل المحاكم، رغم أن الفصل 45 من الدستور التونسي يضمن الحقوق البيئة لجميع المواطنين.
أضرار كارثية
ويرى نادر شكيوة (29 سنة) الذي أصيب منذ صغره بمرض هشاشة العظام، أن هذه الخطوة غير كافية لجبر الضرر الذي لحق أبناء واحة شاطئ السلام القريبة جدا من المصانع الكيميائية.
وأشار بأصبعه إلى الكرسي المتحرك الذي يعتمد عليه منذ سنوات للتنقل، متسائلا "هل اعتبار منطقتنا ضحية جرائم بيئية ارتكبها النظام السابق سيمكنني من استعادة المشي على قدمي مرة أخرى؟".
ولا ينكر هذا الشاب -الذي يعتبره أبناء الواحة دلالة متفجرة لضحايا التلوث الهوائي- أنه رحب بتبني رابطة حقوق الإنسان قضية أهالي الجهة، لكنه يطالب بضرورة اللجوء إلى القضاء الدولي ضد إدارة المجمع الكيميائي.
وأضاف للجزيرة نت "للحد من تسجيل هذا النوع من الضحايا لا بد من القضاء على مصدر الجرائم بنقل الوحدات الصناعية إلى منطقة أخرى، لأن هذا الإجراء سيكون قابلا للتنفيذ فور توفر خطط تقنية لا تمس بمصلحة حوالي سبعة آلاف عامل في المصانع".
أما الشيخ حبيب بوعود الذي يملك قطعة أرض فلاحية قبالة مصنع الفليور، فرأى بأن جبر الضرر الذي تطالب به رابطة حقوق الإنسان لن يعوض التربة التي لم تعد صالحة لزراعة أي نوع من البذور.
وتابع "واحتنا تبعد أمتارا قليلة عن هذه المصانع، ولم يصمد أمام انبعاث الغازات سوى النخيل الذي أصبح أغلبه آيلا للسقوط".
ولا يفكر الحبيب في الامتناع عن تسلم تعويضات مالية في حالة وافقت هيئة الحقيقة والكرامة على إدراج المنطقة ضمن التي ستشملها العدالة الانتقالية في تونس على مستوى جبر الضرر المعنوي والمادي.
حق دستوري
من جانبه، أوضح عضو فرع رابطة حقوق الإنسان البشير الضاوي أن مطلبهم المذكور لا يشمل توزيع أموال على المواطنين المتضررين، لكن من حق المواطنين المطالبة بتعويضات خاصة.
وأضاف -في حديث للجزيرة نت- أن تضرر محافظة قابس من قيام المجمع الكيميائي منذ بداية السبعينيات، كان أبرز الدوافع التي اعتمدوا عليها لمطالبة هذه الهيئة الدستورية باعتبار الجهة ضحية مثلها مثل الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب.
وشدد على أن التعويض وجبر الضرر يجب أن يكون بإرساء برنامج تنموي يعوض الحرمان الذي عاشته المحافظة، وإنشاء مشاريع صناعية صديقة للبيئة توفر فرص عمل لآلاف العاطلين، إضافة لإقامة مصحات مجانية تعالج أمراض السرطان التي يعاني منها أغلب الأهالي جراء انبعاث الغازات الكيميائية.
واعتبر الضاوي أن آليات العدالة الانتقالية التي صادقت عليها الدولة التونسية تسمح للأفراد والمجموعات بالتظلم، وهو ما يثبت قانونية مطلبهم، وفق اعتقاده.
ولم ترفض هيئة الحقيقة والكرامة تسلم هذا المطلب الاستثنائي، وقال رئيس مكتبها في قابس حامد الجبلي للجزيرة نت "طالما أن الملف يتضمن إثباتات حول التضرر من التلوث، فمن حقهم المطالبة بحقوقهم التي حرموا منها طيلة عقود".
وأضاف أن قبول المطلب لا يعني الاعتراف بما يحتويه من اتهامات، لأن هناك لجان تحقيق تعمل على النظر في المظالم المقدمة للهيئة ويخولها القانون تحديد الأضرار من عدمها.