لاتفيا وروسيا ..من يعوض من عن الحقبة السوفياتية؟

صورة من عاصمة لاتفيا ريغا أرسلتها مديرة بالت.انفو فينيتا سوبي للنشر في الجزيرة.jpg
ريغا عاصمة لاتفيا (الجزيرة)
افتكار مانع-موسكو

بعد ما يزيد على ربع قرن من تفكك الاتحاد السوفياتي أعادت لاتفيا فتح ملف ما تعتبره احتلالا سوفياتيا لأراضيها امتد لنحو سبعين عاما مطالبة روسيا بدفع تعويضات هائلة نظير ما تعرضت له من ظلم واضطهاد، وقد قوبلت هذه المطالب بسخرية روسية من أعلى المستويات بل وبالتذكير بما قدمته موسكو اقتصاديا لهذه الجمهورية في البلطيق، مما يطرح تساؤلا: من يعوض من؟

فقد طالبت لجنة متخصصة شكلتها الحكومة اللاتفية عام 2005 لحساب الأضرار الاقتصادية والبيئية والديمغرافية التي تكبدتها البلاد جراء "الاحتلال" السوفياتي موسكو بدفع مبلغ 185 مليار يورو كتعويض.

وكانت اللجنة توقفت عن العمل في عام 2009 بسبب الأزمة المالية التي واجهتها لاتفيا ثم عادت لمزاولة نشاطها عام 2013.

وجاء إعلان مطالبة اللجنة اللاتفية بالتعويضات من موسكو بعدما وقع وزراء العدل في جمهوريات البلطيق الثلاث لاتفيا وليتفا وإستونيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 مذكرة تفاهم ونوايا لمطالبة روسيا بتعويضات مالية نتيجة الأضرار التي لحقت بجمهورياتهم خلال حقبة الاحتلال السوفياتي لها.

سخرية روسية
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علق على مطالب لاتفيا لدى تشكيلها لجنتها عام 2005 قائلا "إن روسيا الاتحادية -وحرصا منها على عدم تكرار السيناريو اليوغسلافي على أراضي جمهوريات الاتحاد السوفياتي- قامت بعمل غير مسبوق في التاريخ الإنساني عندما تخلت عن عشرات الآلاف من الكيلومترات من أراضيها التاريخية للحفاظ على الأمن والسلام في الفضاء السوفياتي، وبعد ذلك تصدر مثل هذه الترهات للمطالبة بالتعويض".

واستعار بوتين خلال لقاء صحفي أجرته معه القناة الأولى الروسية عبارة شهيرة من التراث الروسي تقول "لن ينالوا من الحمار الميت حتى أذنيه".

وقد تناولت وسائل الإعلام وعدد من الساسة الروس هذا الموضوع بشيء من السخرية، فقد أوردت صحيفة "كومسومولسكايا برافد" الروسية ما دونته الناطقة الرسمية باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على صفحتها في فيسبوك بإعلانها عن جائزة لأفضل تعليق صحفي على نبأ التعويضات والمستحقات اللاتفية. 

‪أونتيكوف: مطالب لاتفيا بالتعويض جزء من خطط أميركية‬ (الجزيرة نت)
‪أونتيكوف: مطالب لاتفيا بالتعويض جزء من خطط أميركية‬ (الجزيرة نت)

من هو المدين؟
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي أندريه أونتيكوف إن روسيا اعتادت سماع مثل هذه التصريحات من المسؤولين اللاتفيين "وهم بذلك يحاولون استفزازنا".

واعتبر أن هذه التصريحات ليست بريئة، وأنها تأتي بدفع وتوجيه من الولايات المتحدة للإبقاء على التوتر بين روسيا وجيرانها كما هو الحال مع جورجيا.

ولم يستبعد المحلل الروسي أن تصدر دعوات مماثلة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة على اعتبار أن روسيا هي الوريث الشرعي له، واعتبر ذلك جزءا من خطط أميركية بحق روسيا.

وردا على المطالب اللاتفية لفت أونتيكوف إلى أن إنتاجية العمل في لاتفيا تضاعفت نحو ستين مرة بحلول عام 1965 قياسا بما كانت عليه قبل انضمامها للاتحاد السوفياتي، وتضاعفت معها القدرات الاقتصادية عشرات المرات.

وأضاف أن عائدات نقل النفط الروسي عبر شبكة الأنابيب التي مدها الاتحاد السوفياتي على أراضي لاتفيا تمثل 25% من إجمالي ناتجها القومي، وتساءل عما إذا كانت روسيا هي المدينة بعد هذه الحسابات أم لاتفيا؟

‪‬ رودكين: الاتحاد السوفياتي أقام في لاتفيا عشرات المصانع(الجزيرة)
‪‬ رودكين: الاتحاد السوفياتي أقام في لاتفيا عشرات المصانع(الجزيرة)

حسابات
من جانبه، وصف خبير تقنية الحروب الإعلامية بافل رودكين المطالب اللاتفية بأنها "غبية" وغير واقعية، واعتبرها نابعة من الحاجة إلى التلاعب السياسي لصرف أنظار الشعب اللاتفي عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، على حد قوله.

وأشار رودكين في حديثه للجزيرة نت إلى أن الاتحاد السوفياتي أقام في لاتفيا عشرات المصانع التي ما زالت قائمة حتى اليوم ويقوم عليها الاقتصاد اللاتفي، ومن أبرزها مصنع للسيارات والحافلات ومصنع للحديد والصلب والصناعات الثقيلة.

كما أنه -بحسب الخبير الروسي- شيد بنية تحتية تضم مؤسسات ومستشفيات ومدارس وشققا وغير ذلك من مواقع ما زالت موجودة حتى اليوم.

وأوضح أنه لو أرادت روسيا أن تطالب بالمليارات التي استثمرتها في عهد الاتحاد السوفياتي من الجمهوريات الأخرى لبلغت أرقاما خيالية.

المصدر : الجزيرة