إضراب المعلمين الفلسطينيين يفاقم أزمات السلطة
عوض الرجوب-الجزيرة نت
اليوم لا يستطيع عمرو توفير أجرة المواصلات لابنه يوسف، طالب السنة الرابعة في كلية الهندسة بجامعة بوليتكنك فلسطين في مدينة الخليل، التي لا تبعد عنه سوى عدة كيلومترات، فضلا عن تراكم الديون والالتزامات المالية الأخرى دون أفق بتحسن معيشته.
ظروف عمرو وزملائه دفعتهم إلى إضراب مفتوح عن العمل قبل 22 يوما لمطالبة الحكومة بالإيفاء بالتزامات مالية متفق عليها عام 2013، لكن إضرابهم يقابل بهجوم حكومي ومحاولة منع الأنشطة الاحتجاجية التي ينظمونها.
مطالب مالية
وبينما تضع الحكومة الفلسطينية نفسها في مواجهة النقابات، لا يستبعد عمرو مزيدا من التعقيدات في الساحة الفلسطينية، وأن يقود ما سماه تعنت الحكومة مع المعلمين المضربين إلى ثورة في النقابات الأخرى، ثم الدخول في أزمة أشد وأكثر اتساعا.
وإذا تحققت مطالب المعلمين فإن الراتب الأساسي لعمرو -كمثال- يفترض أن يرتفع إلى 4000 شيقل (نحو 1300 دولار). وحسب تقديرات بعض المعلمين الفلسطينيين فإن الاستجابة لمطالبهم ترفع رواتب البعض بنسب تصل إلى 100%، ودفع متأخرات متوسطها 1600 دولار لكل معلم.
ووفق تقديرات خبراء يعني تحقيق مطالب المعلمين زيادة فاتورة الرواتب البالغة نحو 220 مليون دولار شهريا، بحوالي 30 مليون دولار. سيكون من الصعب على الحكومة توفيرها بسبب أزمتها المالية.
وتحول الإضراب إلى أشبه بثورة مع اتخاذ المعلمين خطوة مفاجئة بتشكيل "تنسيقيات" منتخبة في كل محافظات الضفة الغربية، خارج إطار نقابة المعلمين، التي اتهموها بالتواطؤ مع الحكومة، وأصبح أحد مطالبهم حلها. وهذه خطوة لم تحدث منذ قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994.
وفشلت الليلة الماضية أحدث محاولات تقريب وجهات النظر بين ممثلي المعلمين المضربين والحكومة بوساطة منظمات أهلية، وفق الناطق باسم المعلمين المضربين محمد حمايل، مما ينذر باستمرار وتعمق الأزمة.
واكتفى مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسته الأسبوعية أمس بالتأكيد على اهتمامه بالتعليم والمعلمين، والإعراب عن قلقه على مجمل العملية التعليمية، نتيجة استمرار الإضراب "ورفض المعلمين جميع المبادرات التي تقدمت بها مختلف الجهات". ونفى أن تكون الحكومة أغلقت أبوابها أمام أي مطالب نقابية سواء من المعلمين أو غيرهم "من خلال الجهات الشرعية الممثلة لهذه الجهات".
لكن حمايل يقول إن الحكومة لم تبد حتى الآن أي مرونة في التعاطي مع حقوق المعلمين، واصفا -في حديث للجزيرة نت- لقاءات الليلة الماضية بأنها "شكلية" حيث لم تتجاوز المبادرات التي قدمتها جهات خارج الحكومة سقف اتفاق سابق مع نقابة المعلمين لا يرقى لمستوى مطالب المعلمين. وأكد على استمرار الإضراب.
لم تتوقف الحكومة عند رفض مطالب المعلمين ومحاولة منعهم من تنظيم الاعتصام بواسطة نشر أجهزة الأمن، بل تدخلت الأخيرة من البداية باعتقال عشرات المعلمين ثم الإفراج عنهم. وما زالت هذه الأجهزة تستمر بالضغط على أعضاء التنسيقيات لإنهاء الإضراب، حسب مصدر من المعلمين المضربين.
انقسام فتح
وأخذت تفاعلات إضراب المعلمين الفلسطينيين منحى جديدا بإعلان الحكومة الفلسطينية أمس اعتزامها مقاضاة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، وفق ما ذكرت وسائل إعلام فلسطينية، عقب توجيهه انتقادات حادة لأداء الحكومة على خلفية الإضراب.
وتشهد الأوساط القيادية في حركة فتح ولجنتها المركزية والمجلس الثوري انقساما واضحا إزاء إضراب المعلمين، فمن أعضاء اللجنة المركزية من هاجم المعلمين المضربين ووصفهم بالحثالة كعضو اللجنة رئيس كتلتها البرلمانية عزام الأحمد، ومنهم من هاجم الحكومة وقال إنها لا تمثل حركة فتح كجبريل الرجوب.
وفي انعكاسات هذا المشهد سبق أن أصدرت النيابة العامة الفلسطينية مذكرة استدعاء للنائبة عن حركة فتح نجاة أبو بكر على خلفية موقفها المساند للإضراب، مما دفعها للاعتصام داخل مبنى المجلس التشريعي، وللسبب نفسه اعتقلت الشرطة الفلسطينية نقيب الموظفين بسام زكارنة، وهو عضو في المجلس الثوري لحركة فتح، وأحالته قبل أيام إلى التقاعد.
وفي ظل مضي قرابة 40 ألف معلم في إضرابهم نحو المجهول، واستمرار صمت من الرئاسة الفلسطينية، عبرت مصادر من داخل المجلس الثوري لحركة فتح عن قلقها من اتساع دائرة الإضرابات وعواقب تعمق الأزمة بين الحكومة ومختلف النقابات.