انتخابات المغرب.. ثنائية قطبية وتراجع أحزاب تاريخية
محمد عيادي-الرباط
وأحدثت نتائج الانتخابات التشريعية التي عرفها المغرب قبل يومين وتصدرها حزب العدالة والتنمية (125 مقعدا) متبوعا بـحزب الأصالة والمعاصرة (102 مقاعد)، رجة داخل عدد من الأحزاب السياسية، وخاصة حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال لتراجعهما الذي وصف بالكبير.
كما أن قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة في السنوات الخمس الماضية لم تفقده رصيده الشعبي، بل استطاع أن يفوز بـ18 مقعدا إضافيا بالمقارنة مع انتخابات 2011 (107 مقاعد).
مشاركة وانتقاد
وفي تعليقه على نتائج الانتخابات، اكتفى الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال عادل بن حمزة بانتقاد ضعف نسبة المشاركة في التصويت (43%) واعتبرها رسالة للأحزاب وللطبقة السياسية وللجميع.
وقال في حديثه للجزيرة نت "كان من المهم للتجربة الديمقراطية ببلادنا لو كانت النسبة 50% فما فوق لأن بلادنا تراهن على المؤسسات والعمل داخلها، ومشاركة المواطنين هي من تعزز مشروعية تلك المؤسسات"، معتبرا أن الوضع الطبيعي في مجتمع مثل المجتمع المغربي في مرحلة النضال الطويل للبناء الديمقراطي والمؤسسات ونزاهة الانتخابات أن يكون حريصا على المشاركة في التصويت.
وفي هذا السياق قال الأمين العام لـحزب التقدم والاشتراكية -الذي حصل على 12 مقعدا- نبيل بن عبد الله إن "الامتناع عن التصويت والعزوف عنه يسيء إلينا ويسيء عموما للعمل الديمقراطي والمعسكر الديمقراطي وللبناء الديمقراطي في بلادنا".
وقد عبّر حزب التقدم والاشتراكية أمس في بلاغ رسمي عن تخوفه من السعي إلى "إفراز قطبية مصطنعة قد يكون مؤداها النهائي القضاء على التعددية السياسية والفكرية التي ظلت تميز النموذج الديمقراطي المغربي".
من جهته عبر الناطق الرسمي باسم حزب الأصالة والمعاصرة خالد أدنون عن ترحيب الحزب ترحيبا كبيرا بنتائج الانتخابات التشريعية لأنه حقق فيها تقدما كبيرا بزيادة 120% مقارنة مع انتخابات 2011، مؤكدا تشبت الحزب بموقفه الرافض للتحالف مع حزب العدالة والتنمية.
تصويت وثنائية
ومن وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط حسن طارق فإن نتائج الانتخابات لم تفاجئه، وقال إنها "كرست عودة متدرجة للسياسة في الحقل الانتخابي والتصويت السياسي الذي أصبح له معنى وتجاوز المرحلة القديمة التقليدية المرتبطة بالنفوذ والمال والقرب من السلطة والقبيلة وبالتراتبية الاجتماعية".
وأضاف طارق -وهو برلماني وقيادي سابق في الاتحاد الاشتراكي- في حديث للجزيرة نت أن المواطن بات ينزع للتصويت السياسي وهو نفس الأمر الذي لوحظ في الانتخابات الجماعية 2015 خاصة عندما ننظر لنتائج العدالة والتنمية في المدن والحواضر الكبرى ومناطق الطبقة الوسطى، مؤكدا أن "تصويت كثير من الناخبين لصالح حزب المصباح (العدالة والتنمية) كانت له دلالة التصويت المقاوم للسلطوية والتحكم".
ولم يتحدث طارق عن قطبية سياسية، بل عن ثنائية انتخابية كرستها انتخابات السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري بين حزبين مهيمنين (العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة)، كان لها آثار سلبية على التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي، مشيرا إلى أن مسلسل انحدار اليسار وتراجعه الانتخابي بدأ عام 2007.
تراجع وأسباب
من جهته اعتبر أستاذ القانون الدستوري أحمد مفيد أن التراجع يعود لأسباب منها إشكالات وأزمات تنظيمية وطبيعة الخطاب وآليات التواصل مع المواطنين، موضحا في حديثه للجزيرة نت أن نتائج هذه الانتخابات متوقعة لأن الحزب الأول استطاع أن يدافع عن حصيلته الحكومية وقدم برنامجا لتطوير الحصيلة وإصلاح الثغرات.
وسجل مفيد أن انشغال حزب العدالة والتنمية بالعمل الحكومي لم ينسه ضرورة الاهتمام بالتنظيم الحزبي حيث حافظ على حزب قوي وصاغ برامج إستراتيجية قوية في التواصل، كما استفاد من ضعف نسبة المشاركة وأخطاء ارتكبت من قبل فرقاء سياسيين آخرين.
وأكد في الوقت نفسه أن حزب الأصالة والمعاصرة استطاع أن يبرز في هذه الانتخابات في الحقل السياسي كـ"قوة قد تشكل بديلا في المستقبل رغم مجموعة من الشكوك التي لا تزال تحوم حوله خاصة حول لحظة التأسيس".
وأضاف أنه "يمكن القول إن الحزب استطاع أن يطبع مع الممارسة السياسية ويتجاوز مخلفات مرحلة التأسيس مما جعله ينتقل من الرتبة الرابعة عام 2011 إلى الرتبة الثانية في هذه الانتخابات".