كمال مغيث: المناهج بمصر في أسوأ أوضاعها

حاوره/ عبد الرحمن محمد
قال الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية كمال مغيث إن المناهج التعليمية بمصر انتهت إلى أوضاع أسوأ مما كانت عليه في السابق.
ورأى في حوار مع الجزيرة نت أن المناهج الدراسية في هذه المرحلة بات أحد أدوارها الأساسية خدمة النظام القائم كما حدث في عهود رؤساء سابقين، معتبرا أنها بالصورة التي أصبحت عليها ستؤثر بشكل سلبي في الوعي الجمعي للشعب المصري.
كما اعتبر أن ثقة الطالب بمنظومة بلاده باتت "مزعزعة"، وأنه "لابد من توفر إرادة سياسية حقيقية للانعتاق من نفق التعليم المظلم".
وفيما يلي نص الحوار.
مرت المناهج التعليمية في مصر بمراحل مختلفة من التطوير والتعديل.. كيف تقيم تلك المراحل؟
للأسف أراها جميعا فاشلة وسلبية، وذلك بمختلف العهود السياسية الفائتة، نحن لدينا مناهج تعليمية عفا عليها الزمن منذ أمد ولم تعد مناسبة لعصر تتغير فيه المعرفة كل شهور، وهي مناهج مع قصورها وضعفها تقدّم للطلاب عبر الحفظ والتلقين والإملاء والاستظهار.
وقد حاز هذا الموضوع جانبا كبيرا من تعاطينا وخبراء آخرين في تناول أزمة التعليم، ومؤخرا وعدت الدولة بالانعتاق من هذا القصور لكن انتهينا إلى أوضاع أسوء مما كانت عليه رغم الحديث المتكرر عن تطوير التعليم.
من يتحمل المسؤولية عن هذا القصور وهل تشترك فيه أطراف مختلفة؟
الأصل في موضوع المناهج التعليمية أن تنبثق عن مشروع قومي يتبناه الحاكم والحكومة والمجالس المختلفة والمتنفذين في الدولة ثم الأحزاب السياسية والمواطنين، وغياب هذا المشروع الوطني الجامع أعطى المجال لأي فئة لديها مشروعها الخاص للتغلغل في منظومة التعليم عبر رجالها في المؤسسة التعليمية، سواء كانت فئة دينية التوجه كجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين أو غيرهم.
وبالتالي فالمسؤولية مشتركة بين من يتحملون مسؤولية العمل على ذلك المشروع القومي وبين تلك الفئات التي استغلت غيابه وسعت إلى الهيمنة والسيطرة على المناهج التعليمية.
المواد الدراسية بالصورة الحالية في مصر هي عبارة عن منشورات حكومية بالمناهج وليست علوما، فالتاريخ الذي يُدرّس ليس علم تاريخ وإنما رؤية الحكومة لما تعتبره تاريخا |
الاتهامات طالت النظام الحالي في عمل تغييرات بالمناهج تتوافق مع رؤاه كما الحال مع اتهام الإخوان بذلك.. هل تؤيد تلك الاتهامات؟
نعم حدث ذلك بالفعل.. فقد حذفت كل إشارة جيدة لحركات مثل حركتي كفاية و6 أبريل وأمور أخرى متعلقة بثورة 25 يناير 2011، واستعيض عنها بما ما يبرر خروج الناس على حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، إضافة إلى وضع ما يعمل على تمجيد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ودوره في ذلك.
وهذا الأمر لا يصب في صالح المنظومة التعليمة، فالمبدأ الأساسي الذي لا بد من الانطلاق منه في عملية التطوير هو تعزيز المواطنة والتماسك الوطني وحظر أي دعاية سياسية أو طائفية أو دينية، ولا ينبغي بأي حال أن يكون التعليم مطية لتمجيد أي رئيس في أي مرحلة.
كيف تنظر إلى حذف أسماء شخصيات سياسية من المناهج كاسم البرادعي والكتاتني وغيرهم، ووضع أسماء أخرى كأسماء مؤسسي "حركة تمرد"؟
هذا جزء من فكرة الاستخدام الأيديولوجي للمناهج الدراسية، وللأسف المناهج في هذه المرحلة بات أحد أدوارها الأساسية خدمة النظام القائم كما حدث في عهود الرؤساء السابقين جمال عبد الناصر ومحمد السادات وحسني مبارك.
هل ما تحتاجه المناهج الدراسية بمصر مجرد تغيير مادة أم أنها تفتقد إلى أشكال أخرى من التطوير؟
تطوير المناهج التعليمية لا يقتصر بحال على تعديل المواد العلمية فقط، وإنما تحتاج إلى تطوير في الأسلوب وأشكال العرض والحداثة في الطرح، بحيث لا يدور تلقينها للطلاب على حفظ المعلومات واسترجاعها فقط.
المواد الدراسية بالصورة الحالية في مصر هي عبارة عن منشورات حكومية بالمناهج وليست علوما، فالتاريخ الذي يُدرّس ليس علم تاريخ وإنما رؤية الحكومة لما تعتبره تاريخا، وهكذا في بقية العلوم، نحن بحاجة إلى مناهج يكون محورها العلم وليس المقرر الدراسي الذي تضعه الحكومة وتفرضه على الجميع.
ما مدى تأثير المناهج التعليمية بعد التعديل على مستقبل المجتمع المصري؟
المناهج بهذه الطريقة ستؤثر بشكل سلبي في الوعي الجمعي للشعب المصري، فالطالب ينشأ على هذه المناهج لا علاقة له بالنقد ولا كيف يفكر بشكل سليم ومعتاد على الحفظ والتلقين والاجابة النموذجية، نحن في حاجة إلى تغيير مفردات النسق العلمي المصري من (احفظ.. تذكر.. سمع)، إلى (لاحظ.. فكر.. عبر) وهو ما تحاربه الدولة وتحول دونه.
وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلت بشكل واسع مع التعديلات التي أجريت على المناهج.. كيف ترى أثر هذه المنصات الإعلامية في العملية التعليمية؟
المناهج في هذه المرحلة بات أحد أدوارها الأساسية خدمة النظام القائم كما حدث في عهود الرؤساء السابقين جمال عبد الناصر ومحمد السادات وحسني مبارك |
للأسف حتى الآن، أجد أن تفاعل وسائل التواصل الاجتماعي مع العملية التعليمية سلبي وغير بناء، فرغم كونها تسمح بأشكال إيجابية ومفيدة للتفاعل تتطلب وعيا من المدرس والمؤسسة التعليمية بكيفية استغلالها في مساعدة الطالب والوصول إليه فإننا لا نرى ذلك بل نجد أمورا عكسية.
ما نراه الآن فيما يتعلق بالعملية التعليمية أن هذه الوسائل أصبحت مكانا للتربص والسخرية والتنابز بالألقاب ونشر الفضائح والاتهامات.
وما مستوى ثقة الطالب المصري بمنظومة بلاده التعليمية؟
هي بلا شك ليست على ما يرام، فهي مزعزعة بشكل كبير ويظهر ذلك من خلال أحوال التعليم المعروفة، فالطالب يقضي عشر سنوات في التعليم الأساسي ثم يخرج دون أدنى قدر من الاستفادة، فضلا عن معرفته بمستوى التعليم المصري المتدني في التقارير الدولية.
المدرسة لم تعد مؤسسة تربوية، وإنما مجرد جانب آخر من جوانب الشارع المصري بما فيه من سلبيات وما عليه من مآخذ.
ما المطلوب برأيك لتجاوز هذا الواقع السيء للمنظومة التعليمية بمصر؟
المطلوب بشكل أساسي توفر إرادة سياسية حقيقية للانعتاق من نفق التعليم المظلم، وهنا أعني بالإرادة السياسية رئيس الجمهورية، فهو من يتحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك، وإذا ما توفرت فإن ذلك يدفعه إلى الاستماع للمثقفين وأهل الخبرة في الكيفية الأمثل لعلاج المنظومة، ثم تكليف من يملك القدرة على تنفذ تلك الكيفية.