العودة: الثورة المضادة وتغييب الشارع سبّبا بروز التطرف
حاوره: محمد ولد سيدي-الدوحة
يرى الداعية الإسلامي السعودي سلمان العودة أن المنطقة العربية تعيش حاليا حالة تغييب للمنطق والعقل، وأن ظاهرة التطرف والمغالاة وبروز حركات عنف لم تكن موجودة ما هي إلا نتائج للانقلاب على خيارات الشعوب ووأد مطالبها التي رفعت في الربيع العربي.
ودعا العودة -في حوار مع الجزيرة نت- الإسلاميين إلى ضرورة الاستفادة من أخطائهم وأخطاء غيرهم للخروج من الوضع الراهن إلى مستقبل أرحب يعزز الحوار والتلاقي بين مختلف أطياف المجتمع. وفي ما يلي نص الحوار:
بما تفسرون التمدد السريع لتنظيمات متطرفة لم تكن موجودة في المنطقة، واستقطابها عددا من الشباب سواء من المنطقة العربية أو من خارجها؟
بذرة الميل للتطرف والعنف موجودة في كل شعب وأمة، وإن لم تساعد الظروف المحيطة على بروزها تموت الدعوة إلى التطرف بموت صاحبها، أو يرثها أفراد قلائل، لكن إن كانت البيئة حاضنة للعنف مساعدة على التطرف امتد هذا التوجه وتطور.
منطقتنا العربية اليوم تعيش حالة فراغ، وهذا الفراغ سببه عدم وجود مشروع يجمع شباب الأمة، لذلك يبحث الناس عن خيارات بديلة، فمنهم من يختار الهجرة رغم المخاطر، وبعضهم يختار عملية التغيير السلمي، كما رأينا في الربيع العربي، وبعضهم يجرفه تيار التغيير بالعنف والتطرف.
بعد أن حقق الربيع العربي نجاحات في بعض الدول، تضاءلت مساحة العنف، حتى أن تنظيم القاعدة آنذاك كان بصدد إصدار شهادة وفاته، فقد أحدث البسطاء في الشوارع تغييرا يفوق ما كانوا ينادون به، أما اليوم وبعد أن استحوذت قوى الثورة المضادة على نتائج الربيع العربي، وصودرت إرادة الشعب في مصر وفي بلاد أخرى بصور مختلفة، كانت هذه نقطة محفزة للعنف، ورسالة واضحة من الغرب والحكومات العربية تقول إن التغيير السلمي وهم زائفٌ دونه الموت والقتل، وهذا كان تحريضا لاستخدام القوة والتطرف.
لا مناص من الحوار طال الزمن أو قصر، لا مناص من الإصلاح السياسي وإشراك الناس في الحكم، ومحاربة الفساد، وإطلاق مشروع وطني في كل بلد، ومشروع إسلامي جامع منفتح على الآخر، بغير هذا سنظل نشهد صولات وجولات لا منتهية، فالحل الأمني لا يحد من العنف، بل قد يزيده، ونصبح أمام عنفين: عنف السلطة التي تبطش وتصادر إرادة الناس وخياراتهم السلمية، وعنف الشباب الذين يحملون السلاح باسم الدين، وكلاهما مدان.
مصر لا يمكن أن تبقى على ما هي عليه، سيكون هناك تغيير باتجاه ما، وهذا التغيير يمكن أن يحدث بتصالح أو تقارب وبعودة مصر للمصريين، فمصر ليست لشريحة معينة دون غيرها |
ذكرتم ضرورة إطلاق مشروع عربي إسلامي يواجه المشاريع الأخرى في المنطقة، هل ترون إمكانية طرح هذه الفكرة في ظل الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة؟
قديما قيل إن أحلام اليوم حقائق الغد، علينا أن نؤمن بإمكاناتنا ولا نبقى أسرى لليأس والقنوط، منطقتنا تزخر بإمكانيات كثيرة: جغرافية واقتصادية ودينية، ورغم أن الواقع الحالي لا يساعد على الخوض في هذه الفكرة، فإن الظروف عودتنا أنها قابلة للتغيير في أي وقت، وعلى مدى أعمارنا المحدودة رأينا تحولات وتغيرات كبيرة وبشكل لم يكن متوقعا.
مصر على سبيل المثل -وهي حجر الزاوية- لا يمكن أن تبقى على ما هي عليه، سيكون هناك تغيير باتجاه ما، وهذا التغيير يمكن أن يحدث بتصالح أو تقارب وبعودة مصر للمصريين، فمصر ليست لشريحة معينة دون غيرها، ليست للإخوان المسلمين، وليست لليبراليين، وليست للجيش، بل لكل مصري، وهي قادرة بثرواتها على أن تحضنهم جميعا، يجب أن يعمل المصريون كافة لاسترداد خياراتهم سلميا وبعيدا عن العنف.
ما إمكانات تأثير الدعاة وعلماء الدين في هذا الوضع؟
اليوم ليس لدينا خيار، يجب أن يكون لنا دور مؤثر كدعاة، وألا نقتصر على ردود الفعل، والمواقف العاطفية، فالظروف الحالية تستدعي من كل أحد أن يقدم ما لديه وما بوسعه، بالطريقة المناسبة، فالشباب يستمعون للدعاة في حالات كثيرة، مع الأخذ في الاعتبار أن المجموعات التي سلكت منهج العنف لا تلقي بالا لما يقولونه، بل تصنفهم في خانة الأنظمة، وتعتبرهم غير صادقين، ولكن هذا جزء من التناقض الذي تعيشه المنطقة ونراه بين الحكام وشعوبهم، وبين السني والشيعي، وبين دعاة العنف ودعاة السلمية، إلا أن هذا الحراك لا بد له من مستقر.
ويمكننا أن نقول إن هذا يأتي ضمن عملية "الطبخة" التي تشاركت فيها أياد كثيرة، ربما يراها الغرب فوضى خلاقة، وقد ترى طوائف أخرى فيها فرصة للتوسع والتمكين، كإيران مثلا التي باتت ترى أنها الممثل المتاح للإسلام، وبالتالي نعود لموضوع المشاريع الإقليمية، فإن لم يكن لدينا مشروع عربي أو إسلامي، أو لنقل سني سنكون أمام مشروع إيراني أو غربي أو صهيوني إزاء "اللامشروع العربي"، وهذا يعني أن المعاناة قد تطول، في ظل وجود أنظمة سياسية مهيمنة لم تعط مجالا واسعا للآخرين، لذا فالحكومات هي المسؤول الأول عن إطلاق مشروع شامل يستوعب الجميع دون تمييز أو وضع قوالب مسبقة.
الوضع الذي نشهده اليوم في البلاد العربية يصعب إخضاعه للمنطق والعقل، فنحن نعيش مرحلة اللاعقل واللامنطق، وكأننا نخترع السياسية من جديد، ونبدأ من الصفر، كأننا لا نعيش في قرن الفضاء المفتوح والشبكات الاجتماعية |
الحديث عن القوالب الجاهزة يأخذنا لموضوع مصادرة الفكر، حيث وصل الأمر مؤخرا في مصر إلى منع تداول مؤلفات بعينها ومصادرتها، ما تعليقكم على هذا التوجه؟
الوضع الذي نشهده اليوم في البلاد العربية يصعب إخضاعه للمنطق والعقل، فنحن نعيش مرحلة اللاعقل واللامنطق، وكأننا نخترع السياسة من جديد، ونبدأ من الصفر، كأننا لا نعيش في قرن الفضاء المفتوح والشبكات الاجتماعية، وهذه إحدى الكوارث التي اعتبرها ارتدادا ونكسة وردة فعل سلبية، وإن كنت أفضل أن ننظر دائما للأمام.
ففي السنوات الخمس الماضية شهدنا واقعا مأساويا في سوريا واليمن ومصر وليبيا، لكن تحسس مكان الألم لا يساعدنا على النهوض، ورغم كل ما جرى ويجري علينا أن نستشرف المستقبل ونحدد ما يمكننا أن نصنع، فهذه الأوضاع السيئة لا يمكن أن تستمر، لذا علينا أن نفكر في كيفية التعامل مع البدائل القادمة، يجب أن يكون لدينا وعي يوازي ما خسرناه من ضحايا وسجناء ومئات آلاف المهجرين، علينا أن نستفيد من هذه التجربة المريرة في المستقبل وألا نتعامل بسذاجة مع التحديات التي تواجهنا.
ألا ترى أن الإسلاميين يتحملون جزءا من المسؤولية عما آلت إليه الأمور؟
أنا هنا لا أبرئ أحدا من الخطأ، فالإسلاميون جزء من المشهد، وليسوا برآء من الخطأ، نعم لا يملكون سلطة، لذا لا نستطيع أن نقول إن أخطاءهم جسيمة، فما يقوم به غيرهم من قتل وسجن وتنكيل يفوق الوصف، وإن كان هناك من ينتسب إلى الإسلام ممن يمارسون عمليات تفجير وعنف، فهؤلاء نمط آخر، لكن أنا هنا أقصد من يؤمنون بالمشاركة والتعقل ولديهم توازن وقبول للخيارات المتعددة.
وفي كتابي "زنزانة" مقال بعنوان "إسلاميون من المريخ" كانت فيه إشارة إلى أن الإسلاميين لديهم عادات في التعامل مع الآخرين أو تصور لمآلات الأمور بحاجة لمراجعة، كطريقة نظرتهم للغرب وتصرفاته، حتى نظرتهم للحكم، فمثلا دخول الإخوان المسلمين في السباق نحو السلطة في مصر -بعد أن كانوا لا يرون ذلك- تبين أنه كان خطأ قاتلا، الإخوان اليوم أمام خيار الاستمرار على نهج السلمية مهما كلفهم ذلك، وهي سلمية أغلقت حتى الآن أمامها الأبواب، أو خيار اللجوء إلى العنف، كما يرد في بعض التغريدات لشباب يرون أنه لا مجال متاحا للسلمية، هنا أقول إن على الإسلاميين في مصر وغيرها أن يستفيدوا من تجاربهم أولا، ومن تجارب الآخرين ثانيا، ولدي مقولة أرددها دائما: أن تكون شريكا أفضل من أن تستقل بشيء وحدك، حتى في مشاريعك مهما كانت طبيعتها، فالشراكة تقلل الخسائر.
ألا ترى أن صورة الإسلام في الغرب شوّهت أكثر بسبب ما يحدث حاليا في المنطقة؟
هذا واضح، وأنا أستغرب من الجرائم التي تحدث، وحرص هؤلاء على توثيق هذه الجرائم البشعة وكأنها مدعاة للفخر والاعتزاز، ومن المؤسف أن نجد الشعوب الإسلامية وحدها هي التي تتقاتل بهذه الطريقة الوحشية التي تأنفها حتى الحيوانات المفترسة، لا شك أن صورة الإسلام تضررت، والإعلام الغربي عزف على هذا الوتر، وهذا أحد الدروس التي يجب أن نستوعبها، يجب أن يكون لدينا إعلام هادف وقوي يعبر عن حقيقة الإسلام، يخاطب الآخرين بلغتهم وأساليبهم، فمثلا يجب أن نطالب بأن يكون للغرب موقف واضح مما يجري، والدول الغربية مارس بعضها أساليب قمعية لا تقل عنفا وإجراما عما نراه اليوم، فقد ارتكبت فرنسا مذابح في الجزائر وكذلك فعلت إيطاليا في ليبيا وغيرهما.
الغرب اليوم يضع "فيتو" على تحرك الثوار في سوريا ويحشرهم في مناطق محددة، وبالتالي يطيل أمد الصراع، الغرب يبحث عن مصلحة إسرائيل دون وعي أن مصالحه الاقتصادية أكبر في البلدان العربية، وإسرائيل تمثل عبئا عليه، وما نراه في سوريا مثال واضح على سعي الغرب لإبقاء الوضع على ما هو عليه، لأن إسرائيل لا تريد حكما ديمقراطيا في سوريا.
الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة الخليج، من انفجارات بالسعودية والكويت، ألا تستدعي طرح مبادرة تبحث عن منطقة للتلاقي بين السنة والشيعة لقطع الطريق على من يسعون لبث الشقاق؟
لا شك أن هناك توترا وتصعيدا في العلاقة بين الطرفين، وفي أوقات التوتر والاحتشاد يعلو صوت التطرف والشدة دائما، ومن جميع الأطراف، إلا أن المجاميع المنغلقة تكون أشد في ذلك، فالسنة مثلا نسيج واسع فيه تنوع هائل في الفكر والاتجاهات السياسية والمذاهب الفقهية والولاء، وضمن هذا التنوع الكبير توجد طوائف متطرفة فعلا كما يحدث في حالات التفجير، أو قولا كما نراه في الشبكات الاجتماعية، لكن الأمر يبقى محدودا.
أما على الجانب الآخر، فنجد أن الشاب الشيعي الذي يدعو مثلا للاعتدال في الخطاب يخسر موقعه في الطائفة في الغالب، لذا قد يفضل الصمت لأنه لا يتحمل كمية الضغط التي تصفه بالتمرد على مجتمعه المسيج بأسوار وحدود ويقوم على أساس انتماء مذهبي.
والواقع أنه لا يمكن الحديث عن الوضع الحالي دون الإشارة إلى إيران، فالشيعة والسنة عاشا معا قرونا طوالا بسلام وود، ويمكنني أن أقول إن ظاهرة ارتفاع منسوب الغضب والانشطار الحالي ظاهرة مؤقتة، ولنا في البوسنة والهرسك خير مثال فبعد حرب أهلية واقتتال طائفي مرير راح ضحيته الآلاف عادت الأمور لمجاريها بعد أن وضعت الحرب أوزارها، والصربي والكرواتي والمسلم يعيشون حياة عادية اليوم.
وأعتقد أن حسم الملفين اليمني والسوري في مصلحة الأمة، وهو مفتاح الهدوء والاستقرار، فالمجازر التي نراها في العراق وسوريا واليمن هي مجازر طائفية تغذي هذا التوتر وتؤججه.