محاكم الاحتلال تقر اعتقال الفلسطينيين المبرَئين

عوض الرجوب-رام الله
وفي اليوم الأول للاعتقال، خضع أبو وردة، الذي يعمل بحرس الرئيس الفلسطيني، للتحقيق من قبل مخابرات الاحتلال حول أحداث ومواجهات جرت مع الاحتلال بمخيمه خلال عدوان الصيف الماضي على غزة، لكنه فوجئ بأن المعلومات التي يسردها المحقق لا تنطبق عليه، ولا علاقة له بها، ومع ذلك استمر اعتقاله ونقل ملفه للمحكمة العسكرية.
عرض أبو وردة على المحكمة أكثر من ثلاثين مرة، ووجهت له النيابة العسكرية تهما تصل عقوبتها لعشر سنوات، كان في كل منها يؤكد للقاضي براءته وأن المعلومات المذكورة في الملف تخص شخصا آخر موقوفا لدى السلطة الفلسطينية وفقا للقضية ذاتها، لكن دون جدوى.

براءة مشروطة
استمر الوضع على هذا الحال أكثر من خمسة شهور، تعرض فيها الشاب للتنكيل والإهانة النفسية والجسدية، حتى حوّل القاضي العسكري قناعاته إلى قرار ببراءته وقرر الإفراج عنه في الـ24 من فبراير/شباط الماضي، لكن بكفالة وشريطة الحضور للمحكمة متى طلب منه ذلك، وهو ما فسره الأسير المحرر بمحاولة ثنيه عن رفع دعوى قضائية بالتعويض.
أبو وردة، واحد من آلاف الفلسطينيين الذين يمثلون سنويا أمام المحاكم العسكرية بسبب "جنح" ومخالفات مختلفة كالدّخول إلى إسرائيل من دون تصريح ورشق الحجارة والعضويّة في "تنظيمات غير شرعية" ومخالفات سلاح وعنف، وحتى مخالفات سير، ويتواصل اعتقالهم حتى انتهاء الإجراءات القضائية بحقهم حتى لو كانوا أبرياء، وذلك وفق تقرير لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان بالأراضي المحتلة المعروف إعلاميا باسم منظمة بتسيلم.
ووفق تقرير المنظمة "يبدو في ظاهر الأمر أن المحاكم العسكريّة تعمل كمحاكم عاديّة، هناك مُدعٍ ومحامي دفاع، وهناك إجراءات قانونيّة وقوانين ونظُم، وهناك قضاة يكتبون قرارات حكم بلغة قضائية منمقة، لكن ومن وراء هذه الواجهة القانونية، تنشط إحدى أكثر منظومات الاحتلال ضررا وانتهاكا".
وتؤكد بتسيلم في تقريرها حول إجراءات محاكمة الفلسطينيين، في المحاكم العسكرية بالضفة الغربية، أن الحديث يدور عن اعتقال أشخاص لم تحدد عقوبتهم.
وأشارت إلى أن ولاية القضاء الخاصة بهذه المحاكم تسري على كل سكان الضفة بمن فيهم أولئك الذين يسكنون المناطق التي نقلت بعض الصلاحيات فيها إلى السلطة الفلسطينية، مضيفة أنه رغم تمتع المحاكم العسكرية رسميا بصلاحية محاكمة المستوطنين أيضا، فإن هؤلاء لا يحاكمون إلا أمام القضاء المدني داخل إسرائيل.
ووفق بتسيلم فإنه باستثناء مخالفات السير، فإن الاعتقال حتى انتهاء الإجراءات هو القاعدة وليس الاستثناء، كما أنه لا يمكن للمتهمين في الأعم الأغلب استبدال الاعتقال ببدائل أخرى. وإن تم ذلك فيكون مقابل مبالغ باهظة.

صفقات "ظالمة"
من جهته، يوضح مدير الوحدة القانونية بمؤسسة الضمير لرعاية السجين وحقوق الإنسان محمود حسان أن من أبسط حقوق الإنسان أنه برئ حتى تثبت إدانته، ومن حقه إجراء محاكمة له في ظروف غير ضاغطة.
وأضاف أن الاعتقال حتى نهاية الإجراءات -كما يجري بمحاكم الاحتلال- يعني بقاء المعقل قيد الحجز حتى نهاية المحكمة التي قد تستغرق شهورا وربما تمتد إلى عامين، مؤكدا أن كثيرا من المعتقلين لجؤوا إلى إبرام صفقات "ظالمة" بحق أنفسهم مع النيابة، والاعتراف بتهم لم يرتكبوها تجنبا لمسلسل طويل من المحاكمات المهينة التي قد تستغرق أكثر من مدة الحكم المتوقعة.
وشدد حسان على أن أبرز مظهر لغياب المحاكة العادلة هو التعامل مع أي معتقل كمدان، موضحا أن رفض الإفراجات بكفالة ينطبق على 99% من المعتقلين.
وقال إن الاحتلال كيّف قوانينه بما يتيح له طلب اعتقال أي فلسطيني حتى نهاية الإجراءات القضائية بحجة الخشية من الهروب حتى لو كانت عقوبة التهم لا تزيد على شهرين، لافتا إلى أن "سياسة العنصرية" تتمثل في التفريق في التعامل على أساس قومي بين اليهود الذين يفرج عنهم في أخطر التهم والفلسطينيين الذي يعتقلون لأبسط التهم.