الجزيرة تتحدث إلى أحد ضحايا "الإبادة الثقافية" بكندا

أثار اتهام تقرير لجنة المصالحة والحقيقة النهائي للحكومة الكندية بارتكاب ما سماه "الإبادة الثقافية" ضد أطفال السكان الأصليين، جدلا واسعا في ظل سجل كندا النظيف نسبيا في مجال حقوق الإنسان.
ويبين التقرير أن أولئك الأطفال انتزعوا من عائلاتهم وثقافتهم وهويتهم الأصلية، وتعرضوا لانتهاكات جسدية وجنسية، وتشير التقديرات أن ستة آلاف طفل منهم لقوا حتفهم في تلك المدارس.
ومن بين أولئك الأطفال كان أندرو ويسلي، وهو مواطن كندي من فورت ألبني، وقد طالته يد السطات، وكان ممن التحقوا بالمدارس الداخلية قسرا.
ويتذكر ويسلي -الذي يبلغ اليوم التاسعة والستين- طفولته والمدارس التي يقول عنها إنها كانت تهدف إلى سلخ هوية الطفل الأصلية ودمجه قسرا في الغالبية البيضاء الكندية.
ويعزو ويسلي جذور وأسباب العنف المحلي في أوساط المجتمعات الأصلية في يومنا هذا للانتهاكات الجسدية والجنسية، وحتى القتل الذي تعرضوا له في الماضي في تلك المدارس.
ويسلي الذي أصبح اليوم قسّا أنجليكانيا ينشط في مساعدة المشردين، تحدث إلى الجزيرة عن المعاناة التي كابدها وكيف تعافى من آثارها، وقد التقاه مراسل الجزيرة ووجه إليه الأسئلة الآتية:
متى تعرضت لسوء المعاملة وانتهاك الحقوق أول مرة؟
ما أتذكره عن الاضطهاد في مدرسة سانت آن، هو طريقة التعامل السيئة معي، حيث عوملت على أنني ذلك الطفل الآتي من الأحراش. ظهر ذلك جليا وبصورة مؤثرة في أول وجبة تناولتها في المدرسة، حيث لم يسبق لي أن تناولت الذرة، فتقيأتها على الأرض.
جاءت مسؤولة العناية بالطفل ورأت ما حدث، فما كان منها إلا أن أمرتني بأكل ما تقيأته على الأرض وبدأت بضربي. أطعتها، ولكني لم أستسغ طعم القيء فتقيأت مرة أخرى، وكان علي أكل ما تقيأته مرة أخرى. كانت تجربة رهيبة، ولم أكن الوحيد ممن تعرضوا لتك المعاملة.
كان هناك انتهاكات جنسية كذلك. لم أتعرض شخصيا لذلك، لكنني أعرف طلابا آخرين عانوا من انتهاكات جنسية من بينهم شقيقي الأصغر.
تقول إن الانتهاكات التي تعرض لها العديد من أطفال السكان الأصليين في تلك المدارس هي السبب وراء استمرار العنف الذي يضرب المجتمع حاليا، هلا شرحت لنا كيف ذلك؟
في مجتمع السكان الأصليين، هناك مستوى مرتفع من العنف ومرده التعرض الواسع للعنف في تلك المدارس الداخلية. لم يعلمونا كيف نصبح آباء صالحين وأبناء بررة. ونتيجة لذلك أصبحنا عدائيين في تربية أبنائنا وعلمناهم كيف يصبحوا عدائيين.
نحن الناجون من تجربة المدارس الداخلية من السكان الأصليين، لم نعلم أطفالنا كيف نعيش كأسرة متحابة لأننا أنفسنا انتزعنا من أسرنا، ولم نعرف كيف نحب لأننا لم نعامل إطلاقا معاملة الطفل داخل بيته. ونتيجة لتلك المعاملة السيئة التي تلقيناها أصبحنا عنيفين عندما كبرنا.

كيف تعايشت مع السنوات السبع داخل المدارس الداخلية؟
عندما أخذت إلى تلك المدارس لم أكن أعرف شيئا عن الخداع والكذب، ولكن بعد ذلك كان علي اللجوء للخداع والكذب لكي أفلت من التعرض للأذى الجسدي. حدث ذلك للعديد منا، ولهذا فقد كبرنا ونحن نحمل هذا الألم في داخلنا. وعندما أصبحنا مراهقين حملنا ألمنا معنا دون أن نتمكن من التعامل مع الصورة التي صورنا بها. كنا نشعر بالخجل والذل. العديد منا كان يشعر بأنه تحت مستوى البشر. حملنا معنا كل ذلك حتى بلغنا أشدنا.
كيف تمكنت من التخلص من آثار الإساءات والانتهاكات التي كابدتها، وكيف كانت عملية الاستشفاء؟
كان أول ما فعلته لبدء عملية الاستشفاء هو تحديد مصدر غضبي، لذلك توجهت إلى شيخ جليل يعيش في المنطقة التي ولدت فيها وأمضيت معه بعض الوقت. قال لي الشيخ إن مصدر غضبي يأتي من الطفل الصغير داخلي الذي تعرض للضرب، الذي لم أحميه أبدا، ولم أحاول إطلاقا الدفاع عن نفسي.
طلب مني التحدث مع ذلك الطفل بداخلي كثيرا، وأن أحسن معاملته. قال لي أن أخبره أنه ما من إنسان سيمسك بسوء بعد اليوم. وهذا ما فعلته.
وخلال رحلة الاستشفاء، قررت أن أذهب وأزور المرأة التي دأبت على سوء معاملتي. كانت تسكن في ذلك الوقت بالقرب من المكان الذي أعيش فيه. التقيتها وهي قادمة من المتجر فاقتربت منها وسألتها: هل تتذكرين إقدامك على ضربي حينما كنت في المدرسة؟ فردت بالإيجاب. قلت لها: غفرت لك ما فعلته بي.
كانت قد كبرت في السن، إلا أنها رغم ذلك لم تعر مسامحتي لها اهتماما، لكن تلك المواجهة شدت من أزري في رحلة الاستشفاء.