لماذا تعارض موسكو خطط أوروبا لمكافحة الهجرة غير النظامية؟
أشرف رشيد-موسكو
وهددت روسيا باستخدام الفيتو لنقض أي قرار يسمح باستهداف السفن في الموانئ الليبية، ما بدد آمال الأوروبيين في إيجاد غطاء قانوني للقيام بحملتهم ضد "تجار البشر".
ويأتي المسعى الأوروبي في ظل تزايد موجات الهجرة غير الشرعية، وارتفاع أعداد الضحايا الذين يموتون غرقا قبل بلوغهم السواحل الجنوبية لأوروبا.
حوادث مأساوية
وصدم العالم بسلسلة حوادث مأساوية تسببت بغرق آلاف المهاجرين غير النظاميين في البحر الأبيض المتوسط، أبرزها غرق نحو سبعمائة مهاجر الشهر الماضي قبالة السواحل الليبية.
وعادة ما يستخدم المهربون قوارب لا تتوفر فيها شروط السلامة، حيث يتم تكديسها بأعداد كبيرة من المهاجرين تفوق قدرتها الاستيعابية وذلك طمعا في جمع مبالغ طائلة.
وتشير الإحصاءات إلى غرق ما لا يقل عن 1750 شخصا منذ مطلع العام الجاري، وهذا العدد يفوق أعداد المهاجرين الغرقى خلال نفس الفترة من العام الماضي بنحو عشرين ضعفا.
وقالت المفوضية العليا للسياسية الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إن الوقت قد حان لإنقاذ الأرواح وحماية الحدود ومحاربة الذين يتاجرون بالبشر.
ويحاول الاتحاد الأوروبي استصدار قرار يفوّضه التدخل في أعالي البحار والمياه الإقليمية والسواحل الليبية لضبط قوارب التهريب وتدميرها، دون إيضاح كيفية تنفيذ ذلك.
لكن ممثل روسيا الدائم في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، قال إنه "فيما يتعلق بطلب تدمير القوارب فذلك أمر مبالغ فيه" وأضاف "نعتقد أن علينا التمسك بما لدينا من وسائل للتعامل، كما حدث لمعالجة القرصنة قبالة سواحل الصومال، لدينا سابقة جيدة فلماذا لا نستخدمها؟".
سياسات خاطئة
وعن هذا، يقول مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، البروفيسور ليونيد فيتوني، إن موافقة روسيا على المقترح الأوروبي تعني إعطاء الضوء الأخضر للناتو لدخول الأراضي الليبية، وتوجيه ضربات لأهداف داخل ليبيا، وهذا مخالف للقوانين الدولية ومبادئ احترام سيادة الدول، ولا يمكن لموسكو أن تقبل به.
وأضاف أن معارضة موسكو تستند إلى تجاربها السابقة وانعدام الثقة بما يقوله الاتحاد الأوروبي، فعندما اندلعت الثورة الليبية ضد الزعيم الراحل معمر القذافي ادعى الغرب أنه يريد حماية المدنيين وطالب بإنشاء منطقة حظر طيران، ووافقت روسيا على ذلك لكن الحلف تجاوز كل الحدود ولم يلتزم بالتفويض الممنوح له، وكانت النتيجة أنه شن حملة عسكرية جوية شاملة أدت إلى سقوط آلاف القتلى من المدنيين واغتيال القذافي، وإشاعة الفوضى في البلاد.
وأوضح فيتوني أن الاتحاد الأوروبي بدأ يشعر الآن بالاستياء من تزايد موجات الهجرة "لكن علينا ألا ننسى أنه كان سببا في إشاعة هذه الفوضى بسبب سياساته الخاطئة، والآن هو يعاني من نتائجها".
عملية معقدة
أما مدير مركز التواصل الأوروآسيوي، ألكسيه بيلكو، فقد اعتبر أن هذه العملية ليست سهلة ومجهولة النتائج، وتتطلب استعدادا استخباراتيا مسبقا، لأن الساحل الليبي على شواطئ البحر الأبيض المتوسط يمتد بطول يزيد على 1700 كيلومتر كما أن سفن التهريب لا تواجد بشكل علني في الموانئ وعلى السواحل وإنما يجري إخفاؤها أو نقلها بعيدا.
وأضاف أن الحديث لا يدور عن عملية محدودة وإنما عملية عسكرية واسعة سيطول أمدها، وتتطلب تدخلا من القوات البرية بأعداد كبيرة وإسنادا بحريا وجويا، وهذا كله على أراضي دولة أجنبية.
وقال بيلكو إن العملية محفوفة بالمخاطر لأنها لن تحظى بموافقة كل مكونات الشعب الليبي، وبالتالي ستواجه مقاومة تهدد بموجة جديدة من التصعيد.
وترى روسيا -وفق بيلكو- أن هذه المشكلة تستوجب الحل، ولكنها تختلف مع الأوروبيين في الطريقة، فهناك أزمات سابقة استطاع المجتمع الدولي حلها بنجاح.
فعلى سبيل المثال -يتابع بيلكو- أنه من الممكن تطبيق تجربة الدوريات البحرية التي سيرت لمكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية في ظل تنسيق دولي كنموذج للتصدي لتهريب المهاجرين غير الشرعيين، ودون التعدي على السيادة الليبية، بالتالي روسيا يمكن أن توافق على عملية مشروطة بصلاحيات وسقف زمني محدد.