عملية جراحية حرجة بآلات بدائية في غزة
أحمد فياض-غزة
لم تصدق عائلة أبو هجرس أن ابنها نبيل -الذي أصيب بجراح بالغة الخطورة في رأسه، لدى ارتطامه بالأرض في حادث سير- ستكتب له النجاة، حيث تدخل جراح فلسطيني لوقف النزيف الحاد بأبسط الإمكانات الطبية المتوفرة في مستشفيات القطاع المحاصر.
ووفق التشخيص الطبي فإن أبو هجرس (24 عاما) وصل إلى أحد مشافي غزة فاقدا الوعي ويتنفس صناعيا، نتيجة نزيف حاد في الجهة اليسرى من الدماغ وانزياحه إلى الجهة اليمنى، إضافة إلى تضخم الخلايا الدماغية.
ودفعت صعوبة نقل المصاب إلى المستشفيات خارج غزة بسبب الحصار، الجراح الفلسطيني محمود أبو خاطر إلى سرعة التدخل لإنقاذ حياته، من خلال استئصال جزء من الجمجمة وتفريغ الدماغ من النزيف، وزرع الجزء المستأصل في بطن المريض للمحافظة عليه من التلف، إلى حين إرجاعه مرة أخرى بعد عودة الدماغ إلى وضعه الطبيعي، وتماثل صاحبه للشفاء.
وتعتبر حالة الشاب أبو هجرس أكثر حظا من حالات كثيرة مشابهة، تعذر نقلها إلى المستشفيات خارج القطاع بسبب إغلاق معبر رفح، أو بفعل إجراءات الاحتلال الإسرائيلي المشددة، التي تمنع أو تبطئ وصول تلك الحالات إلى الضفة الغربية أو داخل الخط الأخضر.
كما شكل النقص الحاد في الإمكانات والكوادر الطبية المؤهلة بغزة تحديا كبيرا، حال دون التدخل الجراحي العاجل لمعالجة الكثير من الحالات الحرجة، التي تلقى حتفها قبل إتمام إجراءات نقلها خارج القطاع.
الخيار الوحيد
ويؤكد استشاري وجراح المخ والأعصاب محمود أبو خاطر أن خطورة إصابة أبو هجرس، لم تترك له خيارا سوى إجراء العملية رغم قلة الإمكانيات، وذلك لإنقاذ حياته التي كان من الممكن أن يفقدها في غضون ساعات إن لم تكن دقائق.
وأضاف أنه اضطر إلى استئصال جزء من جمجمة المصاب تحت التخدير الكامل وزراعته في بطنه للمحافظة عليه، وخوفا من أن يتسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في تلفه إذا ما وضع في الثلاجة.
وأوضح الطبيب أبو خاطر وهو رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب بمستشفى غزة الأوروبي، أنه استخدم أدوات طبية بدائية جدا لإنقاذ حياة المريض، فيما الأجواء المحيطة بالعملية لم تكن مؤهلة لإجراء مثل هذا النوع من العمليات، لا على مستوى الكوادر ولا على المستوى الفني والطبي.
وذكر أن وضع مشافي قطاع غزة لا يسمح بإجراء مثل هذه العمليات، لافتا إلى أنه افتقر أثناء إجرائه العملية لأدنى احتياجات العملية، كماكينات حلاقة الشعر الطبية، ومادة حفظ ماء الدماغ.
وتابع في حديثه للجزيرة نت "اضطررنا أثناء إجراء العملية إلى اتباع إجراءات لا تتماشى مع المستوى الصحي المعمول به عالميا أو إقليميا، ومع ذلك نجحنا في إجراء العملية بطريقة مثالية".
طبي ومتبع
من جهته قال استشاري ورئيس قسم جراحة المخ والأعصاب في مجمع الشفاء الطبي بغزة باسل بكر، إن هذا النوع من العمليات يندرج ضمن جراحات الدماغ في حالات الإصابات الشديدة، وخصوصا في حالة النزف والتورم في خلايا المخ، وذلك للحد من الخطورة على حياة المريض.
وأضاف، أن هذا النوع من الجراحات يجرى في العالم منذ سنوات عديدة، وسبق إجراؤه لمريض أخر من قطاع غزة في ظروف مشابهة.
وبين أن إزاله أجزاء من عظم الجمجمة لمعالجة التورم والتخفيف من حدة الضغط على الدماغ، ومن ثم إعادته بعد عدة أسابيع هو إجراء طبي سليم ومتبع. مشيرا إلى أن الأجزاء المستأصلة يعمد في دول العالم إلى وضعها في بنوك خاصة تضمن حفظها إلى حين إعادتها.
وقال للجزيرة نت إنه نتيجة لعدم توفر بنوك لحفظ العظم في غزة، يضطر الأطباء إلى زراعته في جدار بطن المريض، لأن الجسم لا يرفضه ويكون في مأمن من التلف لحين إعادة زراعته.