هل تفكك تحالف الجيش والشرطة بمصر؟
أنس زكي
عندما تدخل الجيش لحماية ثوار 25 يناير/ كانون الثاني 2011، أو هكذا بدا في ذلك الوقت، كان الهتاف الشهير يتردد في جنبات ميدان التحرير بالعاصمة المصرية القاهرة "الجيش والشعب إيد واحدة". أما العدو في ذلك الوقت فكان واضحا أنه الشرطة خصوصا في الأيام الأولى للثورة قبل أن يتحول الأمر سريعا إلى مطالبة برحيل حسني مبارك ونظامه.
واختلفت المعادلة يوم 30 يونيو/حزيران 2013، حيث هتف البعض بأن "الجيش والشرطة إيد واحدة" وزاد عليه آخرون بأن "الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة" في إشارة إلى تأييد المؤسستين العسكرية والأمنية للمظاهرات التي خرجت ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، وكان قد أكمل بالكاد عاما واحدا في السلطة.
وبعد أن استقر الحكم لعبد الفتاح السيسي، أو هكذا بدا أيضا، كانت المؤسستان العسكرية والأمنية شريكين في مواجهة من عرفوا بأنصار الشرعية ورافضي الانقلاب الذين يتواصل حراكهم رفضا للانقلاب الذي قاده السيسي يوم 3 يوليو/تموز 2013 وعزل خلاله مرسي، قبل أن يتولى بنفسه مقاليد الرئاسة بعد انتخابات رئاسية جرت لاحقا.
ومنذ مقتل وإصابة واعتقال الآلاف في فض اعتصام مؤيدي مرسي بميداني رابعة العدوية والنهضة يوم 14 أغسطس/آب 2013، تواصلت الانتهاكات بحق رافضي الانقلاب والتي تراوحت بين قتل وتعذيب واعتقال، وكل ذلك بتعاون وتناغم بين الجيش والشرطة، وسط حملات من إعلام السلطة وأنصارها تشيد بالسيسي ومعه وزير الداخلية محمد إبراهيم حتى وصل الأمر بشيخ أزهري إلى تشبيههما بالرسل.
ورغم توقعات البعض بأن السيسي لن يفرط في شريكه، فإنه فعلها وأقاله يوم 5 مارس/آذار الماضي، لتبدأ بعد ذلك سلسلة من الأحداث يربط بينها ما يبدو أنه نوع من الضغط على الشرطة والتهديد بفتح ملفات تحملها كل سوءات المرحلة الماضية.
بطش الداخلية
يوم 4 أبريل/نيسان الجاري، تفاجأ المصريون بصحيفة الدستور -المؤيدة للسلطة الحالية- تحذر مما وصفته "خطر عودة بطش الداخلية وإهدار كرامة المواطنين علنا" بل وأبرزت عناوين تقول "انهيار جهاز الشرطة أخلاقيا وأمنيا بشكل لم تشهده البلاد من قبل" و"فضائح أمنية وفساد علني وإهانة كرامة المواطنين بطريقة لا يصدقها عقل".
وفي الأسبوع التالي، واصلت الصحيفة حملتها ردا على انتقادات الشرطة لها، وتحدثت عما وصفته بـ "عودة الدولة البوليسية في مصر، وبشكل لم يسبق له مثيل على مدى تاريخ الشرطة المصرية". وأتبعت ذلك قائلة "الداخلية تهاجم جريدة الدستور بسيارات مدججة بالسلاح للقبض على محرر تحت التمرين اعتقادا منها أنه صاحب الحملة التي شنتها الصحيفة ضد التجاوزات الفجة وغير المسبوقة من بعض ضباط الشرطة".
وبينما انهالت التساؤلات عما يمكن أن يكون وراء إقدام صحيفة مؤيدة للسلطة على مهاجمة الشرطة بهذه الطريقة، جاءت المفاجأة الأخرى من "المصري اليوم" وهي صحيفة خاصة شهيرة توالي سلطة السيسي، حيث نشرت يوم 19 الجاري ملفا مطولا عن خطايا الشرطة قالت بمقدمته "كانت ممارسات الشرطة السبب الأول لاندلاع انتفاضة الغضب ضد نظام حسني مبارك، وهي الآن البقعة التي تشوه محاولات مصر بعد 30 يونيو/ حزيران لبناء وطن قائم على العدالة والمساواة والكرامة وسيادة القانون، إذ يرفع بعض ضباط الشرطة شعار (للخلف در)".
وبدا أن الأمر كان له وقعه على وزارة الداخلية التي حركت بلاغات عديدة ضد الدستور و"المصري اليوم" واشتكت صحفييهما لنيابة أمن الدولة، وفي الوقت نفسه أجرى وزير الداخلية الجديد اللواء مجدي عبد الغفار حركة تنقلات شملت قطاعات الإعلام وحقوق الإنسان والانتخابات بالوزارة التي سعت على ما يبدو لتحسين صورتها بعد هذه الانتقادات.
تعذيب واختناق
لكن المفاجأة الكبرى جاءت من الأهرام، كبرى الصحف المملوكة للدولة، حيث نشرت أمس تحقيقا موسعا تحت عنوان "في أقسام الشرطة: من لم يمت بالتعذيب.. مات بالاختناق" كالت فيه الانتقادات لأداء الشرطة وللأحوال داخل مقارها وما تشهده من قهر وتعذيب ومرض لمن يسوقه حظه العاثر فيحتجز فيها.
وجاء تحقيق الأهرام ليشعل بورصة التكهنات حول مغزى ما حدث، وعكست مواقع التواصل الاجتماعي آراء ذهب بعضها إلى أن السلطة تريد إصلاح أحوال الشرطة، وأصر أغلبها على أن في الأمر نوعا من تصفية الحسابات بين الجيش والشرطة.
واستحضر الفريق الأخير واقعة حدثت مؤخرا في شبين الكوم بمحافظة المنوفية عندما طالب أحد أفراد الشرطة ضابطا بالجيش بأن يبرز رخصة قيادة سيارته لكن الأخير رفض وانتهى الأمر بمحاصرة الجيش لمقر الشرطة، وبتظاهر أفراد الشرطة هاتفين بسقوط "حكم العسكر".
ولم تسلم الصحيفة من سخرية البعض حيث تساءل أحدهم "هي الأهرام لم تعرف بهذه الانتهاكات من قبل؟" بينما اعتبر آخر أن هذا الموضوع "أصدق ما نشرته الأهرام منذ تأسيسها عام 1875".
سليم عزوز: الأمر يعكس رغبة من الجيش في "تركيع" الشرطة وتذكير أفرادها بأن رجال الجيش هم من يحكمون مصر |
تكسير عظام
الصحفي المصري خالد يونس لا يستبعد أن تكون واقعة المنوفية سببا إلى تطور الأمر بين الجانبين، ويقول للجزيرة نت إن المخابرات الحربية ربما تستغل أذرعها الإعلامية من أجل "تكسير عظام الشرطة" وإظهارها على أنها في خصومة مع الشعب بشكل دائم بسبب ما ترتكبه من انتهاكات لحقوق الإنسان، ويؤكد أنها مجرد حلقة في صراع قديم بين الجانبين اشتعل خصوصا بعد أحداث ثورة يناير.
أما الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجة سامح راشد، فيرى أن هناك مستويين لتفسير الأمر أولهما أن السلطة، ومن ورائها الجيش، تريد تهديد الشرطة والضغط عليها، والثاني أن يكون الأمر متعلقا بخلافات بين قيادات الداخلية خصوصا بعد تغيير وزيرها، ويضيف للجزيرة نت أن هناك احتمالا بأن يكون الأمر مرتبطا بصراعات يشارك فيها قيادات من الحزب الوطني المنحل الذي كان يهيمن على الحياة السياسية خلال عهد مبارك.
ويصر الكاتب الصحفي سليم عزوز على أن الأمر يعكس رغبة من الجيش في "تركيع" الشرطة وتذكير أفرادها بأن رجال الجيش هم من يحكمون مصر، وأن بإمكانهم إهانة الشرطة كما سبق أن فعلوا خلال ثورة يناير.
وعما إذا كان السيسي يمكن أن يفرط في تحالفه مع الشرطة، يقول عزوز -للجزيرة نت- إن السيسي لا يثق تماما بالشرطة، ويخشى من قيام بعض قياداتها بخدمة مصالح رجال أعمال نافذين يطمحون للسيطرة على البرلمان عندما تجرى الانتخابات العامة المقبلة.