اللوحات الجدارية.. صوت الشعب الحر
"جدران الحرية" كتاب يوثق تفاعل الفنانين المصريين مع ثورة يناير 2011، ويحتوي على اللوحات الجدارية التي ملأت شوارع مصر تجسيدا لثورة أبنائها، إلا أن الرقيب المصري رآه بعين مختلفة فقرر منعه.
الكتاب عبارة عن توثيق ليوميات الثورة المصرية وما رافقها من جهد فني ترجمه فنانون على شكل لوحات جدارية (غرافيتي)، بالإضافة إلى عدد من المقالات والآراء المكتوبة التي تؤرخ وتوثق يوميات الثورة وأدبها.
الكتاب موجود في الأسواق المصرية منذ أن أصدر الناشر الألماني دون كارل طبعته الأولى في مارس/آذار 2014، لكن شحنة الكتاب الأخيرة الشهر الماضي منعتها السلطات المصرية وقوامها 400 نسخة.
وعللت السلطات المصرية -على لسان أحد المسؤولين- إقدامها على منع الشحنة الأخيرة من الكتاب بأنه يحتوي على تحريض ونصائح لكيفية مواجهة الشرطة والجيش، لكن المفاجأة جاءت من دائرة الرقابة ذاتها، حيث قال رئيسها أحمد سليم في مؤتمر صحفي إن الكتاب لم يمنع وإن القضية ليست سوى مسألة أجور تخزين لم تسدد.
صدر الكتاب باللغة الإنجليزية وتضمن أيضا مقالات عن الحراك في الشارع المصري في مرحلة ما بعد الثورة.
عمر الثورة
وقد التقت الجزيرة بسمة حمدي -أحد مؤلفي الكتاب- وهي فنانة ومصممة ومدرسة مصرية شاركت بكتابة "جدران الحرية" إلى جانب مؤلفه الرئيسي وناشره الألماني دون كارل.
تقول بسمة إن اللوحات الجدارية شدت انتباهها وأثرت بها قبل ثورة يناير، ولكن فكرة وضعها وتوثيقها في كتاب تبلورت بعد الثورة.
وأضافت "لقد وثقنا ثلاث سنين من عمر الثورة المصرية. وعلمتنا هذه التجربة أن الشعب قوي جدا. وأن الطريقة الوحيدة للتخلص من تلك السطوة هو أن تقنع الشعب بأن لا حقوق له، أو أن تقنعهم بضرورة التخلي عن حقوقهم في مرحلة ما من أجل المصلحة العليا. لقد فعل مبارك ذلك وأعلن حالة الطوارئ لثلاثين عاما".
ووصفت حمدي جداريات الشوارع بأنها "صوت الشعب الحقيقي. لقد لجأ الفنانون للوحات الجدارية ليتواصلوا مع الناس في الشارع ولمواجهة الإعلام الموجه من الدولة، والذي ينشر الأكاذيب في محاولة لاستعادة وترسيخ السلطة".
وعن منع الشحنة الأخيرة من الكتاب، تقول بسمة إنها وباقي المسؤولين عن نشر الكتاب وتوزيعه علموا بقصة المنع من الإعلام، وقالت التقارير الصحفية إن الكتاب منع لأنه "يشجع على التمرد". واستغربت الكاتبة عدم اتصال السلطات بها ونشر الخبر قبل أن تدري بقصة المنع.
وشددت حمدي على أن منع الشحنة يأتي بعد أن أجاز الرقيب الكتاب وهو متوفر فعلا في المكتبات المصرية، وأن المسألة تفجرت بعد أن عجز موزع الكتاب في مصر عن استلام الشحنة رغم تسديد أجور الأرضية والتخزين، مما حدا بسلطات جمارك الإسكندرية لفتح الصناديق للتأكد من محتوياتها، وعند رؤيتهم لمحتوى الكتاب أبلغوا السلطات.
ويقول كارل في هذا الصدد "بالفعل لم يتم الحجز على الكتاب رقابياً بشكل رسمي، وإنما قام أحد موظفي الجمارك تخوفاً من مضمون الكتاب حينما شاهد صوراً تخص الثورة المصرية فتطوع بإبلاغ النيابة التي تباشر الآن تحقيقات بهذا الصدد".
فحص آخر
وأوضح رئيس جهاز المطبوعات الأجنبية المصرية أحمد سليم في حوار مع وكالة دويتشه فيلله الإخبارية الألمانية بالقول "بالفعل سيتم تشكيل لجنة متخصصة لفحص الكتاب مرة أخرى بناء على طلب من النيابة للتأكد من مطابقة النسخة الجديدة مع سابقتها التي دخلت مصر"، مضيفاً أنه "إجراء روتيني".
وبالعودة إلى المؤلفة المشاركة في تأليف الكتاب، تقول حمدي على الرغم من أن المنع غير رسمي فإنه ينعكس سلبا على مناخ الحرية في مصر ومدى تقبل السلطات آراء الطرف الآخر.
وشددت في مقابلتها مع الجزيرة على أن الرقابة في مصر لا تقتصر على الكتب بل تمتد إلى الإعلام بكافة أشكاله والذي وصفته بأنه يعاني من حالة من "الغلو في الوطنية" التي تصل إلى حد التعصب، والأدهى من أنها تنبع من الخوف والرغبة في العيش بسلام.
وأضافت حمدي "إن الغلو في الوطنية كان منتشرا في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما كان الزعيم يرفع لمنزلة تشبه الإله، وهو فكر يشبه أفكار الطوائف، وساد مجددا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي".
يذكر أن ثورة يناير عام 2011 أجبرت الرئيس السابق حسني مبارك على التخلي عن السلطة، وبعد فترة انتقالية أجريت انتخابات رئاسية فاز فيها محمد مرسي ليصبح أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، ولكنه أطيح بانقلاب دبره وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي الذي تسلم رئاسة مصر العام الفائت.