اللاجئون.. مفتاح أنقرة على درب بروكسل
ماهر خليل
من رحم الأزمة في سوريا، خطفت تركيا الأضواء مجددا. فبعد أيام وحرب كلامية تلت إسقاط الطيران التركي لمقاتلة روسية انتهكت مجالها الجوي قرب الحدود السورية، هاهي اليوم تتصدر المشهد بعد اتفاق وصفته بالتاريخي أبرمته مع صديقها الأوروبي "اللدود" عنوانه الأبرز تسريع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وعلى وقع أزمة "السوخوي" التي لم تندمل جراحها بعد بل يتقد لهيبها يوما بعد آخر بين موسكو وأنقرة، صنع الأتراك الحدث من قلب عاصمة الأوروبيين بروكسل بعد يوم اعترف فيه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أنه تاريخي في عملية انضمام بلاده للتكتل العملاق.
وفي ختام قمة بين قادة الاتحاد الـ28 وبلاده لمواجهة أزمة اللاجئين، توافق الجاران أمس على خطة عمل لاحتواء تدفقهم نحو دول الاتحاد مع وعود بمراقبة الحوافز المالية وبإحياء مفاوضات تسريع انضمام بلاد الأناضول إلى الاتحاد الأوروبي.
وتقوم أبرز محاور هذه الخطة على:
– يقدم الاتحاد الأوروبي لتركيا مساعدة إنسانية فورية ومستمرة، ويتعهد بتوفير مبلغ أولي بقيمة ثلاثة مليارات يورو (3.2 مليارات دولار) على أن يعاد النظر في مدى الحاجة إلى هذه الأموال وطبيعتها على ضوء تطور الوضع.
– تفعيل خطة العمل المشتركة التي تفاوضت عليها أنقرة مع المفوضية الأوروبية يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والرامية إلى إدارة تدفق اللاجئين على نحو أفضل.
– وجوب إحياء عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي، ويرحب الطرفان بالإعلان عن مؤتمر حكومي مشترك يوم 14 ديسمبر/كانون الأول المقبل لفتح الفصل الـ 17 (حول السياسات الاقتصادية) من مفاوضات الانضمام التي تتضمن 35 فصلا.
– تقوم تركيا بتسريع جهودها لتلبية المعايير الواردة في خريطة الطريق التي وضعت قبل سنوات عديدة لإتاحة منح الرعايا الأتراك الراغبين بالسفر إلى الاتحاد الأوروبي تأشيرات دخول بصورة أسهل.
– عقد قمم دورية مرتين سنويا وفق شكل مناسب، تشكل منصة لتقييم مدى تطور العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي والتباحث في ملفات دولية بينها مكافحة "الإرهاب".
التزامات أنقرة
ومقابل تنفيذ بنود هذه الخطة، التزمت تركيا خصوصا بفرض مراقبة أكبر على حدودها التي تعد المدخل الرئيسي للحالمين بالفردوس الأوروبي والفارين من أتون النزاعات في سوريا والعراق بالأساس، ومن بؤر توتر أخرى لكن بمنسوب أقل.
كما تعهدت تركيا بمكافحة شبكات الاتجار بالبشر على سواحلها، وملاحقة المتورطين في تزوير جوازات السفر، إضافة إلى الالتزام بإعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية إن لم تتوفر فيهم شروط اللاجئين.
يُشار إلى أنه أمام موجات النزوح الجماعي الهائلة خلال الأعوام الأربعة الماضية من عمر النزاع السوري، استقبلت تركيا 2.2 مليون لاجئ من بين نحو 12 مليونا، وقد حصلت على ضمان أوروبي بأنها لن تتحمل هذا العبء بمفردها بعد اليوم.
مفتاح الخلاص
ومثلت تركيا واليونان ودول أوروبا الشرقية أبرز محطات مر بها هذا العام نحو 850 ألف لاجئ في طريقهم إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، وتحديدا ألمانيا والسويد. وقد توفي أو فقد أكثر من 3500 منهم في أسوأ "كارثة" لاجئين تواجهها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ومع ما قيل عن تعاظم "خطر" اللاجئين على الأمن القومي لأوروبا بعد هجمات باريس، وتهديد أكثر من دولة بالانسحاب من اتفاقية شنغن، بات مفتاح خلاص الأوروبيين لدى الأتراك الذين باتوا في وضع أكثر من مريح، وفي طريق شبه ممهد لولوج قبة بروكسل عبر تسوية تخرج الطرفين مقتنعين بمعادلة "رابح رابح".
وفي انتظار إعلان تركيا العضو رقم 29 بالاتحاد الأوروبي، الذي يراه البعض أنه بات قريبا أكثر من أي وقت مضى، تلوح أمام أنقرة كل المقومات للتباهي بنجاح إستراتيجية تفاوضية ظلت رغم مسارها المتعثر منذ 2005 مبنية على تعامل بمنطق الند للند، تعامل قد يكون لوقعه صدى على أسماع "القياصرة" شرق أوروبا.