معدلات مفزعة للتسرب من مدارس تونس

أحمد النقازي شاب منقطع عن التعليم (أحد شوارع العاصمة سبتمبر/أيلول 2014)
مسح زجاج السيارات على الطرقات العامة أحد مصادر كسب العيش التي يلجأ لها الأطفال المتسربون من المدارس في تونس (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

تخفي ابتسامة الشاب أحمد النقازي (16 عاما)، الذي يجوب بعض شوارع العاصمة تونس لتنظيف زجاج السيارات مقابل مبالغ زهيدة، الكثير من الهموم التي دفعته للانقطاع عن الدراسة في سنّ مبكرة.

بدأ انقطاع أحمد عن الدراسة منذ نحو أربع سنوات وقبل أن ينهي المرحلة الابتدائية، ومنذ ذلك الحين تنقل بين مهن بسيطة سعيا وراء لقمة تقيته وأسرته الفقيرة.

يقول أحمد للجزيرة نت إن أسباب انقطاعه عن التعليم تعود إلى الفقر الذي تعيشه أسرته وعدم قدرة والده على توفير أبسط متطلبات العيش والتعليم له ولأخواته الثلاث، اللواتي انقطعن عن التعليم أيضا.

وبكثير من الألم يروي أحمد معاناته الأسرية، قائلا إن والده كان عاطلا عن العمل وعاجزا عن الإنفاق على البيت، وهو ما دفعه للخروج إلى الشارع بحثا عن أي عمل.

ظاهرة التسرب من المدارس تقض مضاجع المجتمع المدني في تونس (الجزيرة)
ظاهرة التسرب من المدارس تقض مضاجع المجتمع المدني في تونس (الجزيرة)

على الطرقات
عمل أحمد في مهن مثل بيع باقات الياسمين وبعض السلع الصينية الزهيدة الثمن, وصولا إلى تلميع زجاج السيارات عند إشارات المرور على تقاطعات الطرقات، وهو يجني يوميا ما يعادل عشرة دولارات فقط.

مصير أحمد ليس سوى قطرة في محيط الكثير من أطفال تونس الذين تؤكد أرقام مفزعة ارتفاع نسبة تسربهم من المدارس لأسباب اقتصادية واجتماعية وتربوية، إذ لا يبقى أمام جزء منهم سوى البطالة أو الانحراف أو العمل في الشوارع.

وأظهرت دراسة حديثة أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي) وشملت ثلاث محافظات تونسية أن نحو 112 ألف تلميذ انقطعوا عن التعليم خلال 2011 و2012 وأغلبهم ممن تقل أعمارهم عن 16 عاما.

إحصائيات مقلقة
وارتكزت الدراسة على إحصاءات رسمية تحدثت عن انقطاع نحو 107 آلاف تلميذ عن التعليم في المراحل الإعدادية والابتدائية والثانوية وذلك خلال السنة الدراسية 2012-2013.

وبهذا الشأن يقول عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأستاذ منير حسين -الذي أشرف على هذه الدراسة- "إن ظاهرة الانقطاع عن التعليم تفاقمت بشكل خطير جراء ارتفاع نسبة الفشل المدرسي المرتبط بتدهور جودة التعليم".

وإضافة إلى تحميله مسؤولية "تراجع المنظومة التربوية وفشلها على جميع الأصعدة وقيامها في جزء كبير منها على تكوين يد عاملة متوسطة"، فقد أرجع منير سبب الانقطاع عن الدراسة إلى الفقر والتوتر الأسري.

وزير التربية التونسي: التسرب من المدارس يشهد تراجعا  (الجزيرة)
وزير التربية التونسي: التسرب من المدارس يشهد تراجعا  (الجزيرة)

مخاوف انحراف
ويقول منير حسين "إن 78% من المنقطعين عن التعليم خلال العام الدراسي 2011-2012 يعانون من مشاكل مادية وأسرية"، معربا عن مخاوف من أن "تصبح هذه الشريحة حاضنة لظواهر كالانحراف والتطرف التي بدأت تتغلغل في تونس".

ورغم إبداء وزير التربية التونسي فتحي الجراي انزعاجه من ظاهرة التسرب من المدارس، فإنه أكد للجزيرة نت أنها "في تراجع مقارنة بالسنوات الخمس الماضية".

وبشأن رؤيته للدراسة الأخيرة يقول الوزير "إنها لم تذكر الكثير من التفاصيل"، وأوضح أن أغلبية المنقطعين تعود إلى الدراسة بطريقة أو بأخرى وهو ما يجعل نسبة الانقطاع تنخفض".

وبشأن الانتقادات الموجهة إلى المنظومة التعليمية، يقول الوزير إنها تحتاج إلى إصلاحات بناء على رؤية مجتمعية مشتركة، لكنه اعتبر أن منظومة التربية تبدو متماسكة وينظر إليها على أنها ناجحة في العالم العربي ولا تحتاج إلى الإلغاء.

المنظومة التربوية
وكشف الوزير أنّ "هناك حوارا سينطلق قريبا مع المجتمع المدني وأولياء الأمور بهدف تشخيص نقاط الضعف والقوة في المنظومة التربوية من أجل صياغة رؤية مشتركة لإصلاح التعليم بما يتماشى مع المعايير الدولية".

ويضيف الوزير التونسي أن "ظاهرة الأطفال الذين يعملون في الشوارع تقض مضاجع الحكومة"، وعبّر عن أمله في أن تساهم المقاربة الوقائية في الإصلاح التربوي في الحد من انتشار هذه الظاهرة.

ويشار إلى أن هناك أكثر من مليوني تلميذ تونسي في المرحلتين الابتدائية والثانوية عادوا إلى مدارسهم خلال هذا الموسم الدراسي.

المصدر : الجزيرة

إعلان