حكومة باكستان تترك الساحة للمتظاهرين والجيش
هيثم ناصر-إسلام آباد
لليوم الثاني على التوالي، تعيش العاصمة الباكستانية إسلام آباد توترا كبيرا بعد أن أخذت اعتصامات المعارضة فيها منحا عنيفا منذ مساء أول أمس السبت، حيث انسحبت الحكومة من المشهد تاركة الساحة للمتظاهرين وقوات الجيش التي تولت حماية المؤسسات الحكومية.
ووقعت اشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين من حزبي حركة الإنصاف وحركة عوامي باكستان، اللذين يقودهما عمران خان وطاهر القادري، حيث حاول المتظاهرون التوجه لمقر رئيس الوزراء نواز شريف، مما أسفر عن ثلاثة قتلى وأكثر من سبعمائة جريح من بينهم قرابة مائة رجل شرطة.
وانسحبت قوات الشرطة من أمام المجمع الحكومي في إسلام آباد، بعد مواجهات محدودة صباح اليوم الاثنين مع المتظاهرين، تاركة الساحة للجيش الباكستاني الذي فرض طوقا حول الوزارات والمقرات الحكومية، وطالب المتظاهرين بعدم الاقتراب منها.
إلا أن المتظاهرين حطموا زجاج السيارات المحيطة بالوزارات، وأضرموا النار في عدد منها، ثم هاجموا المقر الرئيسي للتلفزيون الباكستاني، مما أدى لهروب موظفيه وانقطاع بث عدد من محطاته.
وصرح مسؤولو الشرطة بأن الجيش هو المسؤول عن حماية المؤسسات الوطنية في شارع الدستور، وأن هذا هو سبب انسحاب رجال الشرطة من المنطقة.
تدخل الجيش
وبعد تخريب جزء من معدات التلفزيون الباكستاني، واستيلاء المتظاهرين على الطعام في داخله، وقطع الاتصالات عن المبنى، تدخل الجيش الباكستاني مطالبا المتظاهرين بمغادرة المبنى وعدم مهاجمة الممتلكات العامة والخاصة.
هذه التطورات دفعت طاهر القادري زعيم حزب عوامي باكستان، لتوجيه أنصاره لطاعة أوامر الجيش الباكستاني وعدم مقاومته.
فيما ادعى عمران خان زعيم حزب حركة الإنصاف بأن أنصاره لم يشاركوا في اقتحام مبنى التلفزيون الباكستاني.
وترى مديرة مركز الدراسات الإستراتيجية في جنوب آسيا، ماريا سلطان، أن ما حدث الاثنين يؤكد دون مجال للشك بأن قناع السلمية سقط عن المتظاهرين وقياداتهم، الذين تعمدوا التخريب بالرغم من انسحاب الشرطة.
وبرأي سلطان فإن رمزية التلفزيون الباكستاني تكمن في أن جميع الانقلابات العسكرية في تاريخ البلاد دشنت بالسيطرة على مقره، وإصدار بيان حول الانقلاب وأسبابه، معتبرة أن هذا هو ما حاول المتظاهرون جرّ الجيش للقيام به، كما قالت.
لكن سلطان اعتبرت أن بيان الجيش الذي صدر أمس، والذي أكد فيه دعمه للديمقراطية، وحثه الجميع على الحل السياسي، وتدخله اليوم لتنفيذ تكليف الحكومة بحماية المؤسسات الوطنية "يعبر عن توحد رؤية الحكومة والجيش حول الأزمة، ويفتح الباب على احتمال تعامل الجيش مع المتظاهرين بالاعتقال أو بتفريقهم".
ماريا سلطان: رمزية التلفزيون الباكستاني تكمن في أن جميع الانقلابات العسكرية في تاريخ البلاد دشنت بالسيطرة على مقره، وإصدار بيان حول الانقلاب وأسبابه، معتبرة أن هذا هو ما حاول المتظاهرون جر الجيش للقيام به |
شبح الانقلاب
وتذهب سلطان إلى أن المشهد اليوم يدين المتظاهرين وقياداتهم، ويبعد شبح الانقلاب العسكري الذي كان يخشى منه كثيرون، على حد وصفها.
وكانت وسائل الإعلام الباكستانية نقلت أنباء عن بدء اجتماع بين رئيس الوزراء نواز شريف وقائد الجيش رحيل شريف.
لكن الناطق باسم الجيش نفى عقب الاجتماع أن يكون قائد الجيش طلب من رئيس الوزراء التنحي.
وجاء النفي إشارة من الجيش لاستبعاد احتمال تدخله ضد حكومة نواز شريف، كما أن المحكمة العليا عرضت اليوم التوسط بين الحكومة والمتظاهرين من المعارضة لحل الأزمة، وأعلن عمران خان وطاهر القادري أنهما يدرسان خيار وساطة المحكمة.
ويصف العقيد المتقاعد نذير محمد اجتماع قائد الجيش برئيس الوزراء بـ"الاجتماع المفصلي الذي سيحدد مصير البلاد".
وقال محمد إن انسحاب الشرطة يمثل سقوطا لمؤسسات الحكومة، وقد يمهد لـ"انقلاب ناعم إذا أدركت الحكومة ضعفها وتنحت طوعيا".
واعتبر أن الصورة السلبية التي يعبر عنها سقوط المباني الحكومية كمبنى التلفزيون بيد المتظاهرين "تسيء لصورة البلاد وقدرتها على حماية مؤسساتها الحساسة بما في ذلك المنشآت النووية والعسكرية المهمة".
وتابع إن هذا الأمر قد يدفع الجيش للتوصل الى اتفاق مع الحكومة والمؤسسات الأخرى، يجعل تدخله حاجة وطنية، بما يحافظ على صورة البلاد وصورة الجيش أيضا.
ويضيف محمد أنه لم يعد هناك وقت للمزيد من الحوار والانتظار، منبها إلى أن التطورات الأخيرة فرضت ضرورة إنهاء الوضع الحالي بشكل نهائي من خلال فض المظاهرات واستعادة السيطرة على شارع الدستور الذي يحتوي أهم المؤسسات الوطنية، وبعدها ستصبح مهمة إعادة ترتيب الوضع السياسي "مهمة أسهل".