تنافس فرنسي جزائري على إدارة الأمن بالساحل
ياسين بودهان-الجزائر
وكان لودريان حل الثلاثاء في أول زيارة له للجزائر منذ تعيينه، واختتمها الأربعاء.
وخلال استقباله من قبل وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة شدد لودريان على أن "القضاء على الإرهاب يتطلب تنسيقا كبيرا بين الجزائر وفرنسا، وذلك لن يكون إلا عبر ثقة مشتركة بين البلدين مع وجود تنسيق أمني كبير بين الوسائل الاستخباراتية والأدوات الدبلوماسية فيهما".
وعقب لقائه مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قال لودريان إن "الإرهاب عدو مشترك لفرنسا وللجزائر، ويجب بذل كل الجهود للقضاء عليه"، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق "بأمن الدولة المعنية سواء مالي أو النيجر أو الجزائر، وكذلك فرنسا وأوروبا".
زيارة لودريان للجزائر ينظر إليها مراقبون على أنها محاولة فرنسية لإقامة حزام أمني يمتد من الحدود الشمالية للساحل إلى نيجيريا، حيث تشكل جماعة بوكو حرام تهديدا خطيرا على أمن المنطقة.
بينما يفسرها آخرون على أنها مسعى فرنسي لإطلاع الجزائريين على الخطة العسكرية والأمنية التي وضعتها باريس بالمنطقة العابرة للساحل، أهم ما فيها -كما يشير الكاتب والإعلامي المختص في القضايا الأمنية حميد غمراسة- نشر ثلاثة آلاف جندي وإقامة قاعدة للتنصت على الحدود بين مالي والجزائر.
وحسب ما جاء في بيان لوزارة الدفاع الجزائرية نشر في موقعها الإلكتروني، فإن المباحثات بين الوفدين العسكريين شملت تبادلا للطروحات ووجهات النظر في ما يتعلق بالمسائل الأمنية المطروحة على الساحة الدولية، خصوصا بمنطقة الساحل من أجل توضيح وتقريب الرؤى، وإيجاد أفضل السبل لتنسيق المجهودات، في سبيل الحلول الناجعة والمجدية للوضع الأمني السائد بالمنطقة.
حالة تنافس
جملة "توضيح وتقريب الرؤى" تعكس -بنظر غمراسة- وجود نقاط ظلت متعلقة بنشاط عسكري استخباراتي فرنسي مكثف بالمنطق يجب تفسيره للطرف الجزائري كقوة محورية أيضا في المنطقة عسكريا وأمنيا ودبلوماسيا، ومساعيها مطلوبة في الوقت الراهن لحل الأزمة السياسية الداخلية بمالي.
وأعرب غمراسة عن اعتقاده بوجود حالة من التنافس بين "الجارة الكبيرة" الجزائر، والقوة الاستعمارية السابقة لريادة منطقة الساحل، فالأولى تراهن على خبرتها في مكافحة الإرهاب، ومعرفتها بشؤون المنطقة جغرافيا وميدانيا، وبتشعب العلاقات الإنسانية بين السكان، لذلك تحاول توظيف هذه الورقة لقيادة جهود التنمية ومحاربة الإرهاب بمنطقة الساحل.
بالمقابل، فإن فرنسا -برأي غمراسة- معنية بشكل مباشر بالتهديدات الإرهابية في دول الساحل، خاصة في مالي والنيجر وموريتانيا، حيث توجد مصالحها، ويقيم رعاياها الذين تعرض البعض منهم للقتل وللاختطاف، لذلك هي حريصة على المشاركة، بل وقيادة أي ترتيبات سياسية أو أمنية في هذه الدول.
قبضة أمنية
ويشدد الخبير في القضايا الأمنية والإستراتيجية بوحنية قوي على أن الزيارة تأتي في سياق محاولة فرنسا فرض تواجدها العسكري والأمني بأفريقيا، وفي إطار دعم إستراتيجيتها الجديدة في المنطقة.
ويضيف قوي في حديثه للجزيرة نت أن ذلك ينعكس من خلال الدور "التدخلي" الكبير لفرنسا في مالي، أفريقيا الوسطى والنيجر.
ويقول إن فرنسا تريد تعظيم قبضتها الأمنية بعد أن كانت دوائر صناعة القرار فيها تهتم بشكل محوري بالاقتصاد الهش لأفريقيا، مشيرا إلى أن هذه الإستراتيجية تأتي في سياق التنافس الفرنسي الأميركي الصيني الذي تؤكده الوقائع الاقتصادية.
ويشير إلى أنه رغم ذلك يبقى الدور الفرنسي الأقوى والأكثر تأثيرا، وهو دور يتنامى لإعادة رسم أفريقيا من منظور أمني فرنسي صرف.
بوكو حرام
من جهته، نوه الخبير في العلاقات المدنية والعسكرية محمد دخوش بتنامي مخاطر جماعة بوكو حرام في المنطقة والتي باتت تشكل تهديدا حقيقيا للسلم الإقليمي.
وبرر ذلك بكون الجماعة أصبحت عامل تجميع للقوى الجهادية، وهو ما يفرض -حسب رأيه- على البلدين تقريب وجهات النظر بينهما بحكم مصالحهما المشتركة بالمنطقة.
ويقول دخوش للجزيرة نت إن انعقاد القمة الأفريقية السبت الماضي في باريس -التي جاءت بدعوة من الرئيس فرانسوا هولاند وشارك فيها رؤساء نيجيريا وتشاد وبنين والنيجر والكاميرون- تأتي في سياق سعي فرنسا للتحكم في الملف الأمني بمنطقة الساحل.
وأعرب دخوش عن اعتقاده بأن زيارة وزير الدفاع الفرنسي للجزائر لها علاقة مباشرة بالقمة التي توجت بتبني خطة تحرك إقليمي مبنية على تنسيق المعلومات الاستخباراتية وتبادل المعلومات مع مراقبة وتأمين الحدود للتصدي لجماعة بوكو حرام التي باتت تشكل "تهديدا كبيرا" في أفريقيا.