الانتخابات الرئاسية موسم "الشيتة" بالجزائر
ياسين بودهان-الجزائر
اعتاد الجزائريون مع كل انتخابات رئاسية مشاهدة ظاهرة التملق أو "الشيتة" كما يطلقون عليها، حيث ينشط المتملقون أو "الشياتون" في ممارسة طقوسهم بحثا عن المكاسب، وجني أفضل الأرباح في موسم الحصاد الانتخابي.
ومع اقتراب الانتخابات الجزائرية، نشطت على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مجموعة شبابية أطلقت على نفسها اسم "المنظمة الجزائرية لمناهضة الشيتة والشياتين"، وتحوي مشاركات تندد بالتزلف بشكل هزلي وساخر، معتبرة أن "شيات اليوم شبيح الغد".
كما أعلن البعض ساخرا عن جائزة "الشيتة الذهبية" تُمنح للشخص الذي يثبت أنه متقن لطقوس التملق، ويعتقد أحدهم أن التنافس على هذه الجائزة سيكون على أشده ومن الصعب التكهن بمن سيفوز بها في الأخير.
تدوير النخب
وحول أسباب انتشار ظاهرة التزلف، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر زهير بوعمامة أن النظام أرسى قواعد انتقائية لتدوير النخب في مكان قواعد الاختيار المبني على الانتخابات لتداول النخب.
وأضاف "لذلك يحاول الكثيرون من خلال هذه السلوكيات لفت أنظار أصحاب الحق في الانتقاء للحصول على مواقع ومكاسب، بدل أن يحاولوا الوصول إليها من خلال الطرق الطبيعية".
أما الكاتب النذير مصمودي، فيرى أن ظاهرة التزلف ليست جديدة، "غير أن أشكالها وأحجامها تختلف من طور إلى طور"، والجديد في الموضوع برأيه هو أن الظاهرة "أخذت مساحة مثيرة للانتباه، وأصبحت ظاهرة للعيان خصوصا مع كل موعد انتخابي".
كما يعتبر الظاهرة "عملا غير أخلاقي ومن أخطر الظواهر المؤثرة سلبا في المشهد السياسي العام، والمال السياسي القذر هو السبب الأول في انتشار ظاهرة التملق، وفي تعميقها بأساليب مختلفة".
قار: "الشياتون" تظل أبلغ تعبير يطلق على فئة كبيرة من النماذج السياسية والإعلامية التي تفتقد الكفاءة |
العجز يولد النفاق
ويعتقد الإعلامي إبراهيم قار أن الجزائريين "أبدعوا حينما يصفون المتملقين بـ"الشياتين"، و"الشياتون" لا يوجدون في الوسط السياسي فقط، لكن لهم حضورا كثيفا في الوسط الإعلامي"، مذكرا بأن الرئيس الراحل أحمد بن بلة كان أول من وصف الصحفيين بـ"الشياتين".
وبرأيه، فإن كلمة "الشياتين" تظل أبلغ تعبير يطلق على فئة كبيرة من النماذج السياسية والإعلامية، تفتقد الكفاءة ولا تجد إلا التملق للبقاء في مراكزها، لذلك أصبحت الرداءة هي التي تؤثث المشهد السياسي والإعلامي في الجزائر، وهو ما يفسر حالة التعفن السياسي التي وصلت إليها البلاد".
ويضيف "المتملقون يشكلون ما يشبه "لوبيات" أو جماعات ضاغطة، ويقفون عثرة في طريق التقدم والرقي، بل إنهم يمنعون الرؤية عن المسؤولين حين يزينون لهم كل شيء مقابل كل شيء".
غياب الشفافية
أما الدكتور ناصر جابي المختص في علم الاجتماع السياسي فيربط ظاهرة التزلف بـ"علاقة المواطن غير الشفافة مع السلطة، لأن المواطن يعي جيدا أن السبل القانونية لن تمكنه من الوصول إلى مراده، لذلك يتزلف"، وانتشار الظاهرة برأيه "دليل نقص وغياب شروط المواطنة".
ويرى جابي أن العامل النفسي له دور كبير في انتشار التملق، "ذلك أن المسؤولين يحبون أن يتزلف لهم المواطن"، ورغم أن "البعض من المواطنين لا يمارسون التزلف عن إرادة لكن هناك جزءا كبيرا منهم يمارس هذا الفعل دون أن يُطلب منه ذلك".
ولفهم طبيعة النظام السياسي في المغرب العربي حسب جابي، "ينبغي فهم العلاقة بين الشيخ ومريده"، حيث أوضحها الكاتب المغربي عبد الله حمودي في كتابه "الشيخ والمريد"، حين أوضح أن المريد "قد يتخلى عن رجولته" ويمارس كل الطرق المشروعة وغير المشروعة من أجل أن يرضى عنه الشيخ للوصول إلى مرحلة المشيخة وبعد تحقيق ذلك يمارس هو الآخر على مريديه السلوك نفسه.