أوكرانيا ترنحت بضربتي القرم والشرق

شهدت أوكرانيا عام 2014 أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية جعلته الأصعب منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي عام 1990، على حد وصف الأوكرانيين أنفسهم.
بداية العام كانت استمرارا لاحتجاجات الموالين للغرب في كييف وغيرها من المدن، وقوبلت الاحتجاجات في 18 شباط/فبراير الماضي بعنف أدى إلى مقتل أكثر من مائة محتج في العاصمة، وأدى كذلك إلى هروب الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش إلى روسيا.
غير أن سعادة المحتجين الفرحين بفرار يانوكوفيتش سرعان ما تلاشت مع قيام احتجاجات في إقليم شبه جزيرة القرم جنوب البلاد تطالب بالانفصال عن أوكرانيا والانضمام لروسيا، الأمر الذي تم فعلا أواسط آذار/مارس الماضي بعد استفتاء مثير للجدل لم تعترف به معظم دول العالم.

وما لبث الانفصاليون الموالون لروسيا أن كرروا سيناريو القرم في شرق البلاد وجنوبها، فعمت مظاهراتهم تلك المدن، وسيطروا على مدن بأكملها وعلى قواعد عسكرية فيها، مما أفضى إلى خروج الأمور عن سيطرة سلطات كييف الجديدة.
لأول مرة
ودخلت أوكرانيا لأول مرة منذ الاستقلال في حرب مع الانفصاليين بعد أن أطلقت عملية عسكرية وأمنية واسعة "لمكافحة الإرهاب"، خاصة في منطقتي دونيتسك ولوهانسك.
غير أن هذه العملية لم تمنع الانفصاليين من تنظيم استفتاء على الانفصال في 11 أيار/مايو الماضي ليعلنوا بعده استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين عن أوكرانيا.
ويرى مراقبون أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية كانت من أهم الأحداث الأوكرانية في عام 2014، إذا أدت إلى منعطفات كبيرة غيرت مسار الأحداث، وأدت إلى دخول أوكرانيا مرحلة تاريخية جديدة، هي فيها دولة معادية -ولأول مرة- للجارة روسيا.
وتقول الخبيرة في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية المستقل يوليا تيشينكو إن "انتخاب الرئيس بيترو بوروشينكو في 27 أيار/مايو الماضي أعطى شرعية للسلطات التي كانت غير شرعية بنظر شريحة واسعة من الشعب وقادة الجيش". ومضت قائلة إن "حدة المعارك زادت بعد الانتخابات، وسرعان ما تمكنت أوكرانيا من استعادة عدة مدن سيطر عليها الانفصاليون كمدينة سلافيانسك التي كانت بؤرة أساسية لهم".
واعتبرت تيشينكو أن الانتخابات البرلمانية التي شهدتها أوكرانيا في 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي كانت "تاريخية"، لأنها أطاحت بقوى وأحزاب موالية لروسيا كالحزب الشيوعي، وحقق فيها الموالون للغرب نصرا كاسحا.

ودللت تيشينكو على رأيها بالقول إن أوكرانيا أصبحت -بعد الانتخابات البرلمانية- موالية للغرب من رأس هرمها إلى أسفله، وهذا لم يحدث أبدا منذ الاستقلال عام 1991، وحتى بعد الثورة البرتقالية الموالية للغرب عام 2004.
وفي ما يتعلق بالانتخابات التشريعية التي أجراها الانفصاليون بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قالت تيشينكو إنها "أبرزت حقيقة أن روسيا تقف خلف الانفصاليين وتدعمهم، لأنها الوحيدة التي دعمت تنظيمها ودعت إلى احترام نتائجها".
وأضافت أن تلك الانتخابات كانت "شكلية رمزية لم تأت بأي جديد ملموس على الأرض، ولكنها أدت إلى زيادة ضغوطات الغرب على روسيا".
اقتصاد مهزوز
على الصعيد الاقتصادي، زاد اقتصاد البلاد ترنحا خلال سنة 2014، فالأزمة السياسية أدت إلى تراجع أسعار صرف العملة المحلية "الهريفنة" بواقع تجاوز 100%، مما أدى إلى توقف الكثير من الشركات، وإعلان إفلاس عدد من البنوك.
وبشأن ما أصاب الاقتصاد الأوكراني خلال العام، يقول عميد معهد الدراسات الاقتصادية في كييف إيغور بوراكوفسكي إن "الحرب استهلكت اقتصاد البلاد، وأدت إلى تراجع الاستثمار بنسب وصلت إلى 100% في بعض المناطق والقطاعات، خاصة بعد تراجع الهريفنة أمام العملات المحلية دون ثبات".
يقول المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية تاراس بيريزوفيتس للجزيرة نت "مع نهاية 2014 نقف أمام واقع فيه نحو 15% من أراضينا محتلة أو متوترة، و20% من اقتصادنا مشلول، والجزء الباقي يعيش على حقن الدعم الخارجي المتردد، البنوك تعلن الإفلاس وتغلق الأبواب، والدولة ملزمة بمواجهة تحديات الحرب والنزوح والبطالة |
وأضاف أن "جيوب الأوكرانيين لا تقوى على تحمل أعباء اقتصادية أكبر من تلك التي حملتها سنة 2014، لأنها أصعب حتى مما كانت عليه في ظل الأزمة المالية العالمية قبل أعوام، وهناك خشية حقيقية من انهيار مفاجئ للاقتصاد يكرر خسارة الأوكرانيين أموالهم، كما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفياتي".
وبشأن تعليقه على آفاق أحداث عام 2014 يقول المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية تاراس بيريزوفيتس للجزيرة نت "مع نهاية 2014 نقف أمام واقع فيه نحو 15% من أراضينا محتلة أو متوترة، و20% من اقتصادنا مشلول، والجزء الباقي يعيش على حقن الدعم الخارجي المتردد، البنوك تعلن الإفلاس وتغلق الأبواب، والدولة ملزمة بمواجهة تحديات الحرب والنزوح والبطالة".
روسيا
وأضاف "لم يتخيل أحد أن تصل البلاد إلى ما هي عليه من ضعف في مواجهة تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية جمة، وأعتقد أن هذه الصعوبات مستمرة ما دامت روسيا هي المسبب الأساسي الذي لن يرفع يده عن أوكرانيا ما دام غير راض عنها، وأخشى أن تنتقل البلاد من ولاية وضغوطات وتحكم روسيا إلى ولاية وضغوطات وتحكم الغرب".
من جانبه، أوضح رسلان كوشولينسكي النائب السابق لرئيس البرلمان للجزيرة نت أن "أوكرانيا تولد من جديد، وولادة الدول الحرة لا شك صعبة وعسيرة". ويضيف" أنظر بحزن إلى ما حمله عام 2014 من آلام لوحدة وسيادة وشعب أوكرانيا، لكني آمل أن يكون مقدمة لمرحلة جديدة تبنيها أوكرانيا بهمة أبنائها، لا بإرادة الغير".