لماذا أدانت السلطة عملية الكنيس بالقدس؟
الجزيرة نت-رام الله
على موقع يوتيوب انتشر فيديو للفتاة الفلسطينية كريستينا يوسف من رام الله توجه رسالة للرئيس محمود عباس، ترفض فيها إدانته للعملية التي نفذها فلسطينيان الثلاثاء في كنيس يهودي بالقدس وأدت إلى مقتل خمسة مستوطنين وإصابة آخرين.
وقالت الفتاة لعباس "نحن نعيش في مجزرة مستمرة، ونفقد الأمل بسبب سياسات الاحتلال والمستوطنين، كل يوم تتعرض النساء للضرب في المسجد الأقصى، وأنت تخرج لإدانة عمليات المقاومة"؟
وكانت الرئاسة الفلسطينية أدانت ما وصفته "عمليات قتل المدنيين من أي جهة كانت بما فيها قتل المصلين التي تمت في إحدى دور العبادة في القدس الغربية". ولاقى هذا الموقف سلسلة انتقادات فلسطينية شعبية وفصائلية ما زالت مستمرة.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي نشر الفلسطينيون صور أربع حاخامات إسرائيليين إضافة لشرطي قتلوا في العملية نفسها، وقالوا إنهم لم يكونوا مجرد مصلين -كما ذكر بيان إدانة الرئاسة الفلسطينية- بل من أبرز المحرضين على قتل الفلسطينيين واقتحام المسجد الأقصى.
غياب الانسجام
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت سميح حمودة إن إدانة السلطة لعملية القدس ليست جديدة، لكنها تعكس غياب الانسجام داخل القيادة نفسها ومع الفصائل التي باركت العملية وكذلك مع المزاج الشعبي العام.
ويربط حمودة إدانة السلطة للعملية بحسابات ردود الفعل العالمية خاصة أميركا راعية عملية السلام. وكذلك بإعلانات السلطة السابقة بأنها غير معنية بالتصعيد وبالتزامها الطرق الدبلوماسية والسياسية في إدارة الصراع مع إسرائيل بعيدا عن "العنف".
وبرأيه فإن موقف الرئاسة منسجم مع مواقفها السياسية، ولم يكن متوقعا منها إعلان تأييدها لأي عملية تستهدف إسرائيليين. وهو أيضا يظهر جوهر أن السلطة هي الطرف الضعيف في العملية السياسية.
أما المفكر الفلسطيني عبد الستار قاسم فيرى أن أوضاع الفلسطينيين تتفاقم بسبب سياسات الاحتلال، ولا تحتمل إدانات من القيادة الفلسطينية لأي عملية مقاومة.
وقال إن الشعب الفلسطيني كان سعيدا بالعملية وشعر بالقوة واستعادة جزء من كرامته، بعد سلسلة اعتداءات إسرائيلية وعمليات قتل من المستوطنين للفلسطينيين في القدس، وجاءت إدانة السلطة للعملية لتنشر مشاعر الإحباط في أوساطهم، حسب وصف قاسم.
وتابع أن الأكثر سخطا كان اعتبار السلطة للعملية استهدافا لمصلين في دار عبادة. وقال إن الحادثة لا تعبر عن أي صراع ديني، بل تبدو مرتبطة بقرب الكنيس من أماكن عمل منفذي العملية فقط، كما أنها أعطت رسالة للإسرائيليين عن قدرة المقاومة الفلسطينية على الوصول إليهم في كل مكان.
وفي اعتقاد قاسم، أن الإدانة لا ضرورة لها إطلاقا وليس هناك ما يجبر الرئاسة الفلسطينية على هذا الموقف. وقال إن "بإمكان أبو مازن إدانة الاحتلال وإجراءاته التي تسببت بالعملية. لكنه أراد أن يثبت للأميركيين موقفا معاكسا لمزاج شعبه المؤيد للعملية".
مقاومة المقدسيين
وذهب قاسم إلى أبعد من ذلك بالقول إن السلطة تحاول التدخل لمحاصرة الأحداث في القدس بعدما أثبتت أجهزتها الأمنية أداءً يفوق القدرة الإسرائيلية على ضبط الأمور كما يحدث في الضفة الغربية. ولكنه يرى أيضا أن السلطة لن تتمكن من التأثير على هبة المقدسيين الشعبية.
وكفلسطيني مقدسي، يقول الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات، إن المقدسيين وحدهم يتعرضون للقمع والعنف الإسرائيلي في القدس ويحاولون التصدي لإجراءات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى ولسياسات هدم المنازل ومصادرتها وفرض الضرائب الباهظة ويدفعون الشهداء مقابل رفضهم لهذه السياسات.
ويتابع أن المقدسيين بمقاومتهم يعبرون عن برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني، بينما تنشغل السلطة الفلسطينية بمسار المفاوضات منذ اتفاق أوسلو قبل 20 عاما وتفشل في مواجهة الوقائع الإسرائيلية على الأرض خاصة في مدينة القدس.
ويرى أن موقف السلطة يتناقض مع الموقف الشعبي والجماهيري استنادا للبرنامج الذي تحمله والقائم على أن الطريق الوحيد لإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني "هو التفاوض" وهي لا تؤمن بأي خيار آخر، وهذا يتناقض مع الخيار الشعبي في مدينة القدس وغيرها.
ويضع عبيدات إدانة السلطة لعمليات المقاومة في القدس في سياق تهميش المدينة ومعاناتها، ويوضح أن ميزانية السلطة المخصصة للقدس لا تتجاوز 57 مليون شيكل (قرابة 15 مليون دولار) مقابل ملياري دولار يدفعها الملياردير اليهودي ميسكوفيتش لتعزيز تهويد المدينة.
لكنه من ناحية أخرى، يقرأ إدانة السلطة لعملية القدس في سياق التمهيد لمشروع سياسي جديد يجري الإعداد له ليخرج المفاوضات من جمودها الحالي. ويعتقد أن موقف السلطة الحاسم تجاه ما يجري في القدس سيكون جزءا من ملف المدينة المطروح على طاولة المفاوضات القادمة.