بوركينافاسو.. خطر الصراع ومخاض التغيير
سيد أحمد الخضر-الجزيرة نت
بوركينافاسو، أو فولتا العليا سابقا، تقع في غرب أفريقيا، وتحدها من الشمال مالي ومن الشرق النيجر، وتوغو وغانا من الجنوب، في حين تقع على الجنوب الغربي منها ساحل العاج.
تعتبر الزراعة أهم نشاط في البلاد التي تعد واحدة من دول الصحراء الكبرى، ويبلغ تعداد سكانها حوالي 16 مليون نسمة يشكل المسلمون منهم 60%، بينما تعتنق البقية المسيحية وديانات أخرى.
استقلت البلاد عن فرنسا عام 1960، لكنها ظلت ترطن رسميا بالفرنسية واحتفظت باريس بنفوذها هناك وظلت لاعبا رئيسيا في معظم الاضطرابات والتحولات.
تمرد فعودة
في عام 1983 تمردّ الزعيم توماس سونكارا على إرث المستعمر وقاد انقلابا عسكريا أوصله للسلطة، فغير اسم البلاد من "فولتا العليا" إلى "بوركينافاسو" التي تعني: بلاد الشرفاء أو المستقيمين.
وخلال فترة حكمه حقق سونكارا إنجازات كبيرة في مجال الصحة والتعليم، وعزف على إيقاع التحرر فلقب حينها بثائر أفريقيا، وكان ملهما وقدوة في نظر شباب القارة السمراء.
لكن البلاد عادت لحضن الغرب ولبست العباءة الفرنسية من جديد عام 1987، عندما انقلب بليز كومباوري على رفيق الدرب سونكارا وتخلص من مشاعر العداء للإمبريالية والاستعمار.
وعلى خلاف سونكارا الحانق والمتمرد، قدم كومباوري نفسه كصديق حميم للغرب وبات يوصف بأنه رجل فرنسا ومستودع أسرارها في أفريقيا التي رقصت كثيرا على وتر الانقلابات والأزمات.
وبعد أن أوحت باريس إلى خلفائها بخلع الزي العسكري وقبول التعددية في أواخر الثمانينيات، كان كومباوري واحدا من هؤلاء، فغادر الجيش وأقر دستورا للبلاد عام 1991.
وبموجب هذا الدستور أجريت انتخابات رئاسية في العام نفسه فاز بها كومباوري مثل غيره من زعماء القارة، الذين يقول معارضوهم إنهم صمموا العملية الديمقراطية على مقاساتهم ولم يخرجوا من القصور إلا بالقوة كما دخلوها من قبل.
عدّل كومباوري كثيرا في الدستور حتى يضمن البقاء في الحكم لفترة أطول على مرأى ومسمع من الغرب. وأُعلن فوزه في انتخابات الرئاسة أعوام 1991 و1998 و2005 و2010، لكن سعيه للبقاء في السلطة بعد عام 2015 فجّر ثورة عارمة في البلاد.
ثورة فانقلاب
ففي أواخر أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري عاد الزخم الثوري لواغادوغو، وخرجت جموع غفيرة تدين الفساد والاستبداد وقالت لكومباوري: لقد أزف الرحيل.
أبدى الرجل الستيني استعداده للتجاوب مع الاحتجاجات وأكد العدول عن تغيير الدستور وعن فرض الطوارئ، لكن هذا التجاوب المتأخر لم يُجد نفعا ولم يشفع له عند الجماهير فاضطر للهروب إلى ساحل العاج التي كان مهندس أزماتها ومصالحاتها وانقلاباتها.
رحيل كومباوري فتح بوركينافاسو على كل الاحتمالات، وباتت تحدق في المجهول وسط الخوف من الدخول في دوامة العنف بفعل الصراع على الحكم.
ومما يغذي هذه المخاوف حدوث انقلابين في أقل من 48 ساعة من قرار كومباوري التنحي عن السلطة وإعلان شغور منصب الرئيس.
فبعد أن أعلن قائد الأركان أونوري تراوري حل البرلمان وتعطيل الدستور وتوليه السلطة في البلاد، برز إلى العلن ضابط آخر يدعى إسحاق زيدا وقال إنه يمسك بمقاليد الحكم وهو ما أيده كبار القادة في الجيش.
لكن الخطر لا ينبع فحسب من عدم احترام التراتبية بين العسكر المتعطشين للسلطة والمال، بل في تصميم المعارضة أيضا على التخلص من وصاية الجيش ودعوتها للعودة للشارع لفرض مخرج دستوري وإجبار الضباط على العودة للثكنات.