المنطقة العازلة تسلخ سكان رفح عن أرضهم وتاريخهم

أحمد فياض-رفح الفلسطينية
تردد الفلسطيني نعيم قشطة كثيرا قبل الحديث عن إحساسه وهو يرى أبناء عمومته يحزمون أمتعتهم استعدادا للرحيل عن مدينة رفح المصرية التي لا يفصلها عن قرينتها الفلسطينية سوى عشرات الأمتار وسلك حدودي وجدار إسمنتي شيّده الجيش المصري قبل بضع سنوات.
وبينما كان اهتمام نعيم ينصب على مراقبة ما حل بأقاربه من على تلة رملية على الجهة الفلسطينية من الحدود، إذ بصوت انفجار ضخم أعقبه تصاعد دخان أبيض كثيف ناجم عن تفجير الجيش المصري أحد المباني السكنية تمهيدا لإقامة منطقة عازلة، وحينها اندفع متسائلا "أليس من الظلم اقتلاع سكان من أرض توارثوها منذ مئات السنين؟".
وترجع المباني السكنية والأراضي الواقعة في نطاق المنطقة العازلة -التي يعمل الجيش المصري على إخلائها من سكانها- لعائلات فلسطينية سكنت مدينة رفح المصرية التي لا تفصلها عن الفلسطينية سوى خط تحديد وهمي، لم تعترف به تلك العائلات بحكم تملكها لتك البقعة الحدودية قبل ترسيمها في العام 1906 بموجب اتفاق بين الدولة العثمانية وبريطانيا إبان سيطرتها على مصر.
وبقي حال سكان رفح على هذه الحالة إلى أن بدأ الفصل الفعلي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بعد تشييد الجيش المصري شريطا حدوديا من الأسلاك الشائكة، وقابله الاحتلال الإسرائيلي أيضا بشريط مماثل، وبعدها تحولت رفح إلى مدينتين واحدة فلسطينية وأخرى مصرية، تربط ساكنيهما علاقات دم وقرابة.

تبدد الآمال
ويقول قشطة إن اقتلاع سكان رفح المصرية بدد للأبد آمال العائلات الفلسطينية وتطلعاتها إلى إعادة جمع شملها، وحرمها من فرصة النظر أو الاطمئنان على أحوال بعضهم بعضا من خلف الأسلاك الشائكة.
وأضاف أن المنطقة العازلة تعزز الحصار على غزة وتقضي على أي أمل في تفككه، لأن حفر قناة مائية على أنقاض المنازل المدمرة سيتسبب في انهيار الأنفاق وسيقضي عليها تماما.
وبدا قشطة في حديثه أكثر جرأة من غيره ممن التقتهم الجزيرة نت من سكان مدينة رفح الأصليين في منازلهم، حيث آثر معظمهم عدم التعبير عن مشاعرهم إزاء ما حلّ بأقاربهم على الجهة الثانية من الحدود.
حتى أولئك الذين تحدثوا من كبار السن بدوا متحفظين، وتركز حديثهم على وجودهم التاريخي على أرضهم وما يربطهم من علاقات قرابة، وما طرأ من تقلبات سياسية كانت سببا في تفرقهم وانشطارهم.

خوف من الإعلام
ويخشى أهل مدينة رفح المصرية أن يتسبب حديثهم لوسائل الإعلام في مزيد من الإضرار بأقاربهم، أو أن ينعكس سلبا على حق انتفاعهم من الجنسية المصرية الممنوحة للكثير منهم بحكم ما يربطهم من علاقات قرابة بأقاربهم في الجانب المصري من الحدود.
واكتفى أبو وائل برهوم في تعقيبه على ما حل بأقاربه على الجانب الأخر من الحدود بالقول إن جميع العائلات في رفح الفلسطينية يقابلها سكان من ذات العائلات في رفح المصرية.
وأضاف للجزيرة نت أن الشريط الحدودي شطر عائلة برهوم أسوة بباقي عائلات رفح إلى نصفين، أحدهما في غزة والآخر في مصر، متسائلا عن الوجهة التي سينقل إليها أقاربه في الوقت الذي لا يملكون فيه سوى هذه البقعة التي ولدوا وترعرعوا فيها.
ويرى برهوم أن إقامة المنطقة العازلة ستشطب مدينة رفح المصرية عن الوجود، وتلقي بأهلها إلى المجهول.
ويستذكر المسن رمضان الشاعر كيف كان يلهو في صغره مع أبناء جيله على أرضهم دون أن يهتموا بأي شيء أو يخطر في بالهم أنه سيأتي يوم تفرق بينهم الأسلاك الشائكة والجدران.
ولفت في حديثه للجزيرة نت إلى أنه لم يلتق أحدا من أقاربه على الجانب المصري من الحدود منذ ثلاثين عاما، وأبدى قلقه على مصير أبناء عائلته في ظل سماعه أصوات التفجيرات في منازلهم التي يهدمها الجيش المصري خلال ساعات النهار.