"تهالك".. يحاكي نزوح الفلسطينيين إبان عدوان غزة
أيمن الجرجاوي-غزة
هذا العمل الفني من توقيع الفنان الفلسطيني إياد صبّاح الذي يحاول فيه تجسيد رحلة النزوح التي عاشها سكان القطاع إبان العدوان الإسرائيلي الأخير، ووجد العمل قبولا حسنا رغم عدم اعتياد الفلسطينيين مشاهدة هذا النوع من الفنون.
فكرة العمل الفني راودت صباح عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة في 26 أغسطس/آب المنصرم، ويقول إنه لم يستطع حمل السلاح، لكنه سعى عبر فنه إلى "فضح جرائم الاحتلال وصمت العالم المتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان".
دلالات عديدة
ويوضح صبّاح للجزيرة نت أن استخدامه الطين لم يكن عبثا، فهو المادة التي خُلق منها الإنسان، بينما جاء استخدامه مادة "الفايبر غلاس" وطليها باللون الأحمر إشارة إلى نزيف دماء المشردين أثناء رحلة النزوح.
وكان لاختيار مكان عرض العمل الفني في الهواء الطلق بحي الشجاعية شرق مدينة غزة دلالات مقصودة -وفق الفنان الفلسطيني- فهو من الأحياء الأكثر تضررًا في العدوان، وله رمزية عالية من حيث القِدم والبطولة، عدا أن الهواء الطلق أكثر قدرة على إيصال الفكرة.
وأطلق صباح على عمله الفني اسم "تهالك" للدلالة على الأثر النفسي الكبير على حالة النازح رغم أن جسده بقي على حاله، ويلفت إلى أن إسرائيل تتحمل مسؤولية إعادة الأمان للإنسان في غزة قبل إعادة الإعمار.
ويرى صبّاح -الذي عاش تجربة النزوح خوفا من قذائف البوارج الإسرائيلية غرب مدينة غزة- أن قيمة الفنان الفلسطيني في وجوده بغزة، "فإذا خرجتُ منها فأنا هربت من المعركة، فهنا أستلهم القوة والأفكار".
وتواجه الأعمال الفنية في غزة مشاكل عديدة: أولها غياب التمويل، وفقدان البنية التحتية اللازمة لها، فالفنان صباح اضطر لتمويل مشروعه ذاتيا، ويقول إن الأعمال التي تتطلب أياما تستغرق أسابيع طويلة.
نجاح غير متوقع
وتبرز تحديات الحصار الإسرائيلي على غزة وإغلاق المعابر كعوامل معوقة لمشاركة الفنانين الفلسطينيين في المعارض الدولية، ولكن رغم ذلك تمكن الفنان صباح من المشاركة بأعماله الفنية في معارض بمصر وتركيا وألمانيا وفرنسا والتشيك وعُمان.
ويبدي الفنان الفلسطيني سعادة غامرة بنجاح عمله الفني، ولا يخفي سرا أن ذلك كان أكثر من توقعاته، ويقول إنه سيكون فاصلا في طبيعة تفكيره في العمل التشكيلي، وسيفتح آفاقا جديدة للعمل على مستوى أكبر.
ويشير إلى أنه كان متخوفا من رد فعل سلبي على أعماله الفنية في غزة، كونها عبارة عن مجسمات وتماثيل، لكنه تفاجأ بوقوف الفلسطينيين إلى جانبه، بل ومساعدته في تثبيت المجسمات على الأرض وتهيئة مسرح العرض.
ويرى سكان القطاع أعمال صباح بشكل يومي؛ فتمثال "العنقاء" الذي يتوسط ميدان فلسطين وسط مدينة غزة صنع بين يديه، ونصب "الجندي المجهول" نُحت بأنامله، عدا تمثال "العودة" بخان يونس جنوب القطاع.
معايشة اللحظة
واستذكر الفلسطيني أسامة العرعير حين مشاهدته العمل الفني رحلة نزوحه من شرق حي الشجاعية شرق مدينة غزة إلى عمق المدينة، فتلك المشاهد عبّرت بشكل حقيقي عن حاله حينها. ويتابع -من أمام بيته المدمر- أن الفنان صباح نجح في اختيار الشخصيات وتجسيد جميع الأعمار.
أما الفتى محمد المغني، فيقول إنه حينما شاهد مجسم امرأة تحمل طفلها تذكر مشهدا حقيقيا عايشه لحظة نزوحه من منزله شرق مدينة غزة.
ويقاطع خال الفتى حازم المغني قول ابن شقيقته قائلا إنه حمل أربعة من أبنائه حين نزح، "لكنني حتى اللحظة لا أتخيل كيف استطعت أن أحملهم جميعا".