انتخابات تونس.. دلالات الحصيلة وحسابات اليوم التالي
وضعت حرب الانتخابات التشريعية التونسية أوزارها، وانقشع غبار الميدان عن مفاجآت كثيرة في حسابات الربح والخسارة، وتبدلت مواقع كثيرة في الخريطة الحزبية السياسية بين صعود وهبوط وانتشار وانحسار، وبدأت الأسئلة تثار عن دلالات الحصيلة الانتخابية وما الذي قاله الشعب التونسي من خلالها.
ولئن تفاوتت التحليلات في أسباب انتصار أحزاب وانكسار أخرى وما الذي يعنيه ذلك أو يقود إليه، فلعل هناك أمرين تواطأت الرؤى والآراء على مركزيتهما في النقاش المحتدم بدءا من لحظة الإعلان الجزئي عن نتائج الصناديق، أولهما أن الرابح الأول مما حصل هو الشعب التونسي الذي كرس التداول السلمي على السلطة، والثاني أنه لا بد من توافق وطني على "حمل هم الوطن"؛ لكن ما الذي حصل وما المتوقع؟
الإعلامي التونسي زياد الهاني قال إن نتائج هذه الانتخابات "تعكس توجهات الناخب التونسي الذي صوت عقابيا ضد أحزاب الترويكا لغضبه على تسييرها خلال فترة حكمها، إذ لم تنجح في معالجة البطالة وتدهور المعيشة التي كانت سببا في ثورة الشعب، كما أن حزب نداء تونس استطاع أن يضم تحالفا واسعا من القوى القديمة والجديدة فاقتنص بذلك ثقة الناخبين".
وأكد أن حزب النهضة "يمثل شريحة مهمة من الشعب لها وزنها الكبير، ولذلك استطاعت المحافظة على موقع متقدم رغم التصويت العقابي ضدها"، عكس حلفائها في الترويكا الذين سقطوا انتخابيا "سقوطا مدويا".
حتمية التحالف
ولفت الهاني إلى أن التونسيين انتخبوا نداء تونس لأنهم "يريدون من يستطيع لمَّ شمل الجميع وقد وجدوا ضالتهم في الباجي السبسي وحزبه"، مشيرا إلى أن المال السياسي كان له "دور كبير لكنه لم يكن حاسما، والنداء والنهضة شعبيتهما المجتمعية الحقيقية الراسخة هي عامل نجاحهما في الواقع".
واعتبر أن لا خيار أمام النداء والنهضة سوى التحالف لتشكيل حكومة وحدة وطنية، لأن أي حكومة مهما كان لونها لا يمكنها وحدها الإقدام على إجراء "الإصلاحات المؤلمة المنتظرة، والتحدي الحقيقي هو إنجاح التحول الديمقراطي ونحن سندخل مرحلة انتقالية ثالثة".
وتوقع الهاني أن يشهد السباق الرئاسي انسحاب "المرشحين الدستوريين تعزيزا لحظوظ السبسي الذي يعتبر -في ضوء نتائج الانتخابات الحالية- هو الأوفر حظا".
أما المحلل السياسي نور الدين امباركي فرأى أن الشعب صوت "مدفوعا بعوامل اقتصادية وأمنية، ولذلك صوت عقابيا ضد الترويكا وسياستها التي فشلت في هذين الصعيدين"، مؤكدا أن الترويكا "انهارت باستثناء النهضة -التي تراجعت لكنها صمدت- نظرا لامتلاك نداء تونس لآلة فعالة إعلاميا وتنظيميا، إضافة إلى استفادته من شخصية رئيسه السبسي، وخصوصية احتوائه طيفا سياسيا واسعا".
وأوضح امباركي أن المستفيد الأكبر من هذا الاستحقاق الانتخابي هو الشعب الذي أقبل على الاقتراع "بنسبة محترمة بالمعايير العالمية رغم المخاوف الأمنية والإحباط المجتمعي"، مضيفا أن سبب عزوف قطاع كبير من المسجلين يقدر بمليون ناخب هو "انعدام الثقة في السياسيين ووعودهم، وأداء المجلس التأسيسي الكاريكاتوري، إضافة للوضع الاقتصادي المتردي".
الاستقطاب الثنائي
وبدوره، رأى المحلل السياسي سامي ابراهم أن النتائج "تعكس شكل إدارة الحملة الانتخابية، حيث ركز نداء تونس على أن المعركة تدور بين تيارين فقط حداثي ومحافظ، يمثل هو أولهما وتمثل النهضة الآخر".
وأشار إلى أن إبراز الإعلام لأخطاء الترويكا طوال سنتيْ حكمها هدفه إقناع الناس بأنهم غير مؤهلين للحكم مرة أخرى لأنهم جلبوا كل الويلات إلى البلد، "ومع غياب إعلام مواز وبديل اتخِذت أخطاء سنتين من الحكم للتغطية على أخطاء نصف قرن من حكم الاستبداد، رغم أن أخطاء الترويكا كانت إفشالا ولم تكن فشلا".
ورفض ابراهم فكرة أن التصويت كان عقابيا للترويكا لأن "المفارقة هي أن أكثر المتضررين من الحكم الانتقالي هم الذين صوتوا للنهضة رغم غضبهم على الترويكا، وخريطة الانتخابات تؤكد أن المناطق غير المهمشة هي التي أسقطت مرشحي الترويكا، وأن أغلبية الناخبين صوتوا – تحت تأثير القصف الإعلامي- لذاكرتهم المشدودة للحزب الأغلبي القادر على تحقيق الأمن والاستقرار".
ولفت إلى أن هناك "حديثا متزنا وعقلانيا" من نداء تونس والنهضة بشأن إمكانية تحالفهما حكوميا وحتى في موضوع الانتخابات الرئاسية، لكن يمكن للنداء أن يتجاوز النهضة إلى الشتات الانتخابي الآخر لأن النداء "منقسم بشأن دخول النهضة، رغم أن معارضة الترويكا -بمن فيها النداء- اشترطت سابقا ألا يكون الرئيس ورئيس الحكومة من نفس الحزب".