تنظيم شوارع مصر أهم أم تشغيل عاطليها؟
دعاء عبد اللطيف-القاهرة
تقف الحكومة المصرية أمام واحدة من المعادلات الصعبة المتمثلة في سعيها لتنظيم الشوارع التي تعج بالباعة المتجولين، فيما يتوجب عليها توفير عمل لهؤلاء الملايين من الباعة.
وفي أواخر أغسطس/آب الماضي حسمت محافظة القاهرة أمرها، وقررت إخلاء شوارع وسط العاصمة من الباعة، بعد أن خصصت لهم أسواقا بمنطقة الترجمان لحين الانتهاء من بناء أسواق منطقة وابور الثلج التي ستجمع كل الباعة المتجولين، وفق خطط الدولة.
نقل الباعة من وسط القاهرة لمنطقة الترجمان بدت عملية فاشلة بسبب قلة المارة بالترجمان، وهو ما يعني تراجع عمليات الشراء.
وفي محاولة منه لامتصاص غضب الباعة قرر محافظ القاهرة جلال سعيد تغيير مسارات مركبات النقل العام بحيث تمر بموقع السوق الجديد. لكن الحركة الشرائية بالترجمان ما زالت ضعيفة رغم محاولات المحافظة إحياء المنطقة، حسب تأكيد عاطف السيد.
السيد الذي يعمل بائعا متجولا قال للجزيرة نت إن الباعة يعيشون وضعا سيئا منذ نقلهم، وأضاف أنه كثيرا ما ينهي عمله في منتصف اليوم بسبب ندرة حركة البيع.
تعنت
وفي مؤتمر "عايزين ناكل عيش" الذي عقد أوائل أكتوبر/تشرين الجاري لبحث أزمة الباعة، قالت الناشطة العمالية هدي منعم إن أعداد الباعة الجائلين في مصر يقترب من ستة ملايين مواطن، يتعاملون في نحو 40% من السيولة المالية بالسوق.
وأوضحت هدى منعم أن ارتفاع الأسعار بالمحال بالنظر لدخل المواطنين منح الباعة المتجولين -الذين يعتمدون على البضاعة الرخيصة- رواجا بالسوق.
وأشارت الناشطة العمالية إلى أن التعامل الحكومي الصحيح مع البائع المتجول "يمكنه أن يحول الأزمة إلى مصدر للدخل القومي المصري".
أما نقيب الباعة المتجولين بالقاهرة أحمد حسين فوصف قرار نقل الباعة للترجمان بالـ"فاشل". وأكد للجزيرة نت أنه خاطب الجهات المعنية، وحذر مسؤولين حكوميين التقاهم من تداعيات اتخاذ القرار دون دراسته. لكن أحدا لم يستجب له.
وفيما بدا أنه تصميم من الحكومة على التعامل بنفس الطريقة، أكد محافظ القاهرة في تصريحات صحفية أنه في طريقه لتطبيق نفس الإجراء في أماكن أخرى مكتظة بالباعة.
وأشار المحافظ إلى "ضرورة استعادة الوجه الحضاري للعاصمة، وحق مواطنيها في شوارع نظيفة وجميلة تليق بهم".
انضباط وهمي
وعن تداعيات الإجراءات الحكومية يقول الكاتب الصحفي أحمد القاعود إن جميع هذه الإجراءات تصب في غير صالح الفقراء ومحدودي الدخل، معتبرا إخلاء الشوارع محاولة لإيهام المصريين بعودة الاستقرار والانضباط للشارع.
وأوضح القاعود في حديثه للجزيرة نت أن التعامل الذي وصفه بغير الناجح مع أزمة الباعة المتجولين "هو حلقة في سلسلة المعالجة الفاشلة لقضايا مثل الدعم وإزالة العقارات المخالفة بشكل غير إنساني".
ولفت إلى أن التباين في تعامل السلطة مع الباعة المتجولين من جهة وتعاملها مع رجال الأعمال المتهربين من الضرائب والمستولين على أراضي الدولة من جهة أخرى.
وحذر الكاتب الصحفي من ردة فعل الباعة والعاطلين، قائلا إن كثيرين منهم قد يتخذون العنف سبيلا للخروج من أزماتهم.
حسم مطلوب
في المقابل قال مدير المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية الدكتور مختار غباشي إن حالة الغياب الأمني التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011 أدت لانتشار الباعة بشكل غير مسبوق.
وفي حديثه للجزيرة نت لفت الغباشي إلى أن ما سماه "احتلال الأرصفة" من قبل الباعة المتجولين وأصحاب المقاهي وتشويه المعالم الأثرية بالقاهرة وغيرها من المحافظات "يجب التعامل معه بشكل حاسم".
لكنه أكد على ضرورة تحمل الحكومة مسؤوليتها تجاه هؤلاء الباعة الذين نقلوا لأماكن مخصصة عبر الترويج لبضاعتهم بأساليب دعائية مبتكرة.