غلاء الوقود "جرد" ريف اللاذقية من خضرته
ريف اللاذقية-عمر أبو خليل
في ريف اللاذقية، استحالت الخضرة إلى جدب ويباب، وبساتين التفاح إلى مراعٍ للماشية، وازداد حال مزارعيها سوءا على سوء. أما السبب فلا يكمن في هجرة السكان بسبب الحرب بسوريا ولا في انصراف الناس عن فلاحة أراضيهم، بل في ارتفاع أسعار الوقود.
يقول أبو حسين والحزن يعتصر قلبه "كنت أستأجر جراراً لحراثة بستاني الوحيد، ولكن الارتفاع الجنوني لأسعار الوقود، منعني من فعل ذلك هذا العام، باتت أجرة حراثة البستان تعادل ربع قيمة إنتاجه، أشكو أمري لله".
ويضيف "يحتاج بستان التفاح لعناية كبيرة، مثل رش المبيدات الحشرية، ونقل الأسمدة والمحصول، وكلها أعمال تتطلب استخدام الجرار الذي ارتفعت أجرته كثيراً، فلم أعد قادراً على توفير متطلبات العناية بالبستان، فقد بت أخشى يباسه".
حال أبي حسين، ينطبق على أغلب فلاحي ريف اللاذقية الذي في يد المعارضة، حيث فرض ارتفاع أسعار الوقود على المزارعين الاعتماد على جهدهم البدني لخدمة بساتينهم. غير أن كثيراً من العمل لا يمكن إنجازه دون استخدام الآلات الزراعية، لا سيما الحراثة ورش المبيدات الحشرية وعمليات النقل.
تحولت أغلب بساتين التفاح إلى مراعٍ لقطعان الماعز والأغنام، فالأشجار تتطلب عناية فائقة. وشوهد بعض الفلاحين يقطعون الأشجار لاستعمالها كحطب للحريق ليتقوا زمهرير الشتاء.
تراجع الإنتاج
أبو علي (مهندس زراعي)، تحدث للجزيرة نت عن تأثير ارتفاع أسعار الوقود على المزارعين وبساتين الفاكهة، فقال إن عدم قدرة الفلاحين على استعمال الماكينات الزراعية، نظراً لارتفاع أسعار الوقود، ترك أثره على أشجار الفاكهة التي لم تعد تحظى بالرعاية كما كان الحال سابقاً مما جعل إنتاجها شحيحاً.
وتابع إن الأمر "سيؤثر سلباً على المواسم القادمة، لذا طالبنا المجالس المحلية بتوفير الوقود للفلاحين مجاناً أو بسعر مخفض، ليتمكنوا من العناية بأشجارهم، ولا ينقطع دخلهم الوحيد".
ويقدر إنتاج ريف اللاذقية بأكثر من مائة ألف طن من الفواكه، لكن لم ينتج منها هذا العام شيء، بسبب قصف النظام للبساتين بالمواد الكيميائية، وهو ما جعل وضع المزارعين المادي أكثر سوءاً، وأفقدهم القدرة على شراء الوقود.
ويرجع الشاطر، تاجر الوقود، سبب ارتفاع أسعارها إلى ارتفاع سعر صرف الدولار.
وأضاف "يمنع النظام إدخال الوقود إلى المناطق المحررة، ولم تنفع عملية التكرير البدائية للبترول المستجلب من آبار النفط التي استولى عليها الثوار في خفض سعره، نظرا لعدم كفاية الوقود المصفى بهذه الطريقة".
ولا يخفي الشاطر وباقي تجار الوقود ضيقهم من ارتفاع الأسعار الأمر الذي حرم أصحاب الجرارات شراءه، ومنع أصحاب السيارات من ملء خزاناتها إلا عند الضرورة القصوى، لا سيما أن نوعيته رديئة، وتتسبب بتعطل المحركات الحديثة، وهو ما أثر سلباً على أرباحهم.
يتوجه سكان الريف إلى عملهم وإلى الأسواق القريبة سيرا على الأقدام، لأن أجرة ركوب الحافلة لمسافة قريبة تكفي لإطعام الأسرة يوما أو أكثر.
ولكن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له سكان ريف اللاذقية، في ظل ارتفاع أسعار الوقود، هو إصابة أحد أفراد الأسرة أو مرضه، والاضطرار لنقله إلى المشفى الميداني، حيث لا وجود لسيارات الإسعاف. وإن لم يبادر فصيل عسكري إلى نقله بإحدى سياراته، فسيكلف نقله الأسرة عبئاً ثقيلاً لا تستطيع تحمله في الغالب الأعم.
وهذا أبو شعبان، أحد كبار السن في المنطقة، داهمته نوبة ربو فاضطر ابنه لاستئجار سيارة لنقله إلى المشفى للعلاج.
لم يعجب الحال أبو شعبان ليس لأنه عازف عن العلاج بل لأنه استغلى الأجرة التي دُفعت لنقله، وقال في ذلك "كنت أتمنى الموت. ليتهم لم يدفعوا الثلاثة آلاف ليرة مقابل نقلي إلى المشفى، إنها آخر ما نملك".