الدستور التونسي وأزمة الفصل السادس

التأسيسي التونسي يصادق على مشروع الدستور فصلا فصلا
undefined

 

خميس بن بريك-تونس

بعد أخذ وردّ وشدّ وجذب صادق نواب المجلس التأسيسي التونسي (البرلمان) على مشروع الدستور الجديد فصلا فصلا في انتظار المصادقة عليه برمته، وذلك بعدما تمّ التوافق في آخر المطاف على بنود أثارت جدلا واسعا بين الفرقاء وحتى داخل الكتل النيابية نفسها.

وقد أثار الفصل السادس خاصة لغطا كبيرا بين نواب كتلة حركة النهضة وحلفائها وبين نواب كتلة المعارضة العلمانية قبل أن تتم المصادقة عليه بعد تعديل صياغته المتعلقة بالأساس بحماية المقدسات وحرية الضمير ومنع دعوات التكفير.

وصادق النواب على الفصل في صيغته المعدلة التي تقول "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها".

وكان الفصل يقول في الصيغة التي صادق عليها المجلس التأسيسي في الخامس من الشهر الحالي التي أثارت جدلا "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي. يُحجَّرُ التكفير والتحريض على العنف".

السميعي قدم استقالته احتجاجا على قبول النهضة الفصل السادس (الجزيرة)
السميعي قدم استقالته احتجاجا على قبول النهضة الفصل السادس (الجزيرة)

استقالات
وإثر المصادقة على الصيغة الأولى للفصل قدم بعض النواب من حزب حركة النهضة الإسلامي، الذي يمتلك أغلبية المقاعد (90 من 217 نائب)،  مطالب استقالتهم من الكتلة احتجاجا على تمرير مضامين عدوها مناقضة لتعاليم الإسلام فيما اعتبر البعض الآخر أنّ الدستور "ولد ميتا".

وعبر أحمد السميعي أحد النواب المستقيلين من كتلة النهضة للجزيرة نت عن أسفه إزاء قبول كتلته المصادقة على هذا الفصل، معتبرا أنه "فصل يتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي ويشرّع لنشر الكفر والإلحاد وعبادة الأوثان ويمنع التكفير الذي جاء في شرع الله".

وعبر عن استيائه "إزاء سياسة الحركة التي ذهبت باتجاه ترضية أطراف داخلية وخارجية حتى تقع المصادقة على الدستور", وأضاف أنه مستاء إزاء المصادقة على مبدأ يضمن حرية الاعتقاد أو الإلحاد ويشرّع حتى لعبادة الأصنام والدعاية لها، وهو ما يراه "خطرا على الهوية العربية الإسلامية للشعب التونسي".

وبالنسبة إلى التنصيص على منع دعوات التكفير فإنه يرى أن مصطلح التكفير "ورد مبهما وغير مطابق لأحكام الشرع"، مبرزا أنّ التكفير مسألة عقائدية شرعية بحتة من اختصاص العلماء المسلمين والخبراء المتخصصين.

 الشوالي: منع التكفير يتضارب مع الأحكام الشرعية (الجزيرة)
 الشوالي: منع التكفير يتضارب مع الأحكام الشرعية (الجزيرة)

مخالف للشرع
هذا الموقف يتبناه الأستاذ المحاضر بجامع الزيتونة عزوز الشوالي الذي أكد للجزيرة نت أن "إقرار الفصل السادس بمصطلحاته العامة يخالف تعاليم الدين الإسلامي ويتضارب مع الأحكام الشرعية في كتاب الله".

وأضاف أن منع التكفير فيه "لبس، وهو يتضارب كليا مع الأحكام الشرعية التي جاءت في سور قرآنية مثل سورة الكافرون"، حيث فصل القرآن بين المؤمن والكافر وحدد علامة فارقة بين العبادة المقبولة والعبادة الممنوعة وهي مفهوم الكفر ومفهوم الإيمان، بناء على  قوله.

وأبرز أن التكفير الناتج عن الخصومات والملاسنات والدعوة للكراهية محرم بطبعه في الدين الإسلامي، مشيرا إلى أن فتاوى التكفير جائزة في الشرع، وهي "من اختصاص العلماء المسلمين والخبراء المتخصصين".

وعن موقفه من إقرار حرية الضمير في الدستور الجديد الذي يتوج المرحلة الانتقالية بعد مرور ثلاثة أعوام على الثورة الشعبية، يقول الشوالي إن ذلك "سيثير الانشقاق في صفوف الشعب التونسي وسينشر الفتنة ويدمّر الهوية".

وبيّن أن حرية الضمير نظرية فلسفية تستقي من التغيّر والتبدّل وتمثل الفرد لمعايير ذاتية غير ثابتة، على عكس ضمير الدين الذي يتأسس على الفطرة والإيمان المطلق ويفصل بين الخير والشر على أساس أنّ الفضيلة ثابتة، حسب قوله.

‪الدهماني يرى أن حرية الضمير لا تتعارض مع الإسلام‬ (الجزيرة)
‪الدهماني يرى أن حرية الضمير لا تتعارض مع الإسلام‬ (الجزيرة)

لا تعارض
غير أنّ النائب المعارض عن الحزب الجمهوري إياد الدهماني الذي رحب بالمصادقة على الدستور فصلا فصلا يرى أنّ الاعتراض على الفصل السادس "ينمّ عن جهل بحرية الضمير التي لا تتعارض مع الإسلام القائم على التسامح وعدم الإكراه"، حسب قوله.

وبخصوص منع دعوات التكفير قال إن ظاهرة التكفير موجودة في تونس وأدت إلى اغتيالات سياسية، مؤكدا أن منعها بالدستور هدفه "حماية الناس من التحريض على الكراهية". وقال إن الفصل السادس يخلق توازنا بين حماية المقدسات وحماية المعتقدات.

يذكر أن هذا الفصل أثار موجة من الانتقادات والاحتجاجات خارج المحلس التأسيسي حيث احتجت كثير من الأوساط الإسلامية على إقرار حرية الضمير ومنع التكفير بالدستور واستنكرت أحزاب سلفية وجمعيات إسلامية وحتى وزارة الشؤون الدينية والمجلس الإسلامي الأعلى الموافقة على الفصل السادس.

المصدر : الجزيرة