ما مدى تأثير الغرب على أحداث مصر؟
رحبت بعض دول العالم بما أسمته إنهاء حكم الإخوان المسلمين في مصر، بينما انتقدته دول أخرى. أما الدول الغربية فما زالت بعيدة عن موقف موحد مما يحدث هناك، فما مدى تأثير أوروبا والولايات المتحدة على مسار الأحداث التي تشهدها مصر؟
بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي، اتفقت معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن ما حدث ليس سوى انقلاب عسكري.
لكن القلق الأكبر للحكومة الإسرائيلية يتمثل في أن الإدارة الأميركية يمكن أن تتوصل إلى النتيجة ذاتها، فإذا ما اعتبرت واشنطن عزل مرسي انقلابا، فيجب عليها أن توقف مساعداتها للجيش المصري والبالغة 1.3 مليار دولار سنويا. فهناك قانون أميركي يعود للعام 1961، يحظر دعم أي جيش ماليا قام بالانقلاب على حكومة منتخبة ديمقراطيا، كما يوضح الباحث بمركز الدراسات الدولية والأمنية في برلين فولكر بيرتس.
أميركا والجيش
ومنذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 تقدم الولايات المتحدة مساعدات مالية للجيش المصري. وتخشى إسرائيل من أن تجميد هذه المساعدات المالية يمكن أن يكون له آثار سلبية على الالتزام باتفاقية السلام من قبل مصر وعلى أمن إسرائيل. لكن الحكومة الأميركية أعلنت مؤخراً أنها ستسلم مصر طائرات أف 16 في أغسطس/آب كما كان مخططا.
ويقول بيرتس إن الموقف الأميركي متردد بشأن صادرات الأسلحة أو ربط هذه الصفقات بشرط إجراء انتخابات مبكرة على الأقل لأنه "سيقابل بإعادة تفكير غاضب من قبل الجيش المصري"، ويعلل ذلك بأن المصريين يهتمون دائما بالحصول على أحدث التقنيات.
مساعدات
ومنذ تولي الجيش لمقاليد الحكم تقف السياسة الغربية تجاه مصر أمام تحد جديد. ويشكك رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني روبرشت بولنتس فيما إذا كانت المطالبات الدبلوماسية ستحدث تأثيرا على الجيش المصري.
ويضيف بولنتس أن "إمكانيات التأثير من الخارج، خاصة تلك المتاحة لألمانيا وأوروبا، محدودة نسبيا".
ويؤيد عضو الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، استمرار المشاريع التنموية الألمانية في مصر، لأن هذه المشاريع تنشط بشكل خاص في مجال معالجة مياه الشرب وقطاعي الصحة والتعليم.
وهنا لا يبقى أمام الدول الغربية إلا انتظار ما ستؤول إليه الأمور في مصر. وإذا ما استمر تردي الأوضاع في مصر، فالمواجهات بين الجيش ومؤيدي عودة مرسي أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من خمسين شخصا، فإن هذا يمكن أن يقود في بادئ الأمر إلى "إيقاف المساعدات الاقتصادية والتنموية التي تقدمها الحكومة الألمانية أو ربطها بشروط" كما يقول بيرتس.
ويضيف الخبير الألماني "يجب ألا يعاقب الشعب بجريرة أن الجيش قام بانقلاب على الرئيس". ويعرب عن قناعته بأن أموال المساعدات التنموية لا تمثل ورقة للضغط. ففي الوقت الذي وافقت فيه الحكومة الألمانية نهاية العام 2012 على منح مصر مساعدات بقيمة 385 مليون يورو، وعدت دول الخليج الغنية مصر بتقديم 12 مليار دولار لمصر عقب عزل مرسي، وهو ما يعني أن ما تقدمه دول الخليج "لا يُقارن به ما تحصل عليه مصر من ألمانيا".
وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله عد ما حدث في مصر انتكاسة كبيرة للديمقراطية |
انتكاسة للديمقراطية
وحتى الآن تجنبت الإدارة الأميركية الإدلاء بموقف واضح من عزل مرسي. وفي الأيام التي سبقت عزله انتقد معارضوه السفيرة الأميركية لدى القاهرة لأنها اعتبرت أن حكومة مرسي شرعية ديمقراطية. لذلك صرح البيت الأبيض مؤخرا بأن "الديمقراطية تعني أكثر من الفوز في الانتخابات". وفي الوقت نفسه طالبت واشنطن الجيش المصري بإنهاء الاحتجاز التعسفي لأعضاء من الإخوان المسلمين.
ويأمل الغرب بأن يقلل الجيش من إجراءاته، إذ أعربت كل من واشنطن وبرلين عن قلقهما من حدوث اعتقالات جماعية وتعذيب وعمليات قتل من قبل الجيش.
وفي الأيام القليلة التي تلت عزل مرسي تحدث وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله عن "انتكاسة كبيرة للديمقراطية"، حاثا على نبذ العنف، كما دعا إلى العودة إلى النظام الدستوري بأسرع وقت ممكن. وإحدى رسائله الجوهرية للمصريين تقول "يجب ألا تهمش أي فئة اجتماعية". فالجيش المصري يلاحق بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين من أجل اعتقالهم.
ويوم الجمعة الماضي طالب فيسترفيله بإطلاق الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي يحتجز منذ الإطاحة به في دار للحرس الجمهوري، حسب المعلومات المسربة. وبعد يوم واحد فقط انضمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى هذه المطالبات.
وأوضح الوزير الألماني بالقول إن أي شكل من أشكال الملاحقة السياسية ستكون له آثار كارثية على مستقبل مصر، كما جاء على لسان المتحدث باسمه مارتين شيفر في برلين. كما انضمت واشنطن من جانبها إلى هذه المطالبات بإطلاق مرسي، لكن هذا لا يمكن أن يعد دعما أميركيا وألمانيا للأهداف السياسية لمرسي والإخوان المسلمين، وإنما يتعلق الأمر هنا بمبادئ دولة القانون.