مولد القاضي عياض
أحمد الجنابي
هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون السبتي اليحصُبيّ. تعود أصول أسرته إلى قبائل اليمن العربية القحطانية، وبالتحديد إلى يحصب بن مالك الذي ينتمي إلى بطون حِمْيَر. هاجرت أسرته إلى الأندلس ثم انتقلت إلى فاس بالمغرب، وأخيرا استقر بها المقام في مدينة سبتة المغربية.
رحل عياض في طلب العلم الى الأندلس والتقى ابن رُشد وبعضا من كبار العلماء هناك، كما شد الرحال إلى مشرق العالم الإسلامي عاد بعدها الى سبتةَ ليصبح قِبلة الطلاب وطالبي المعرفة. أصبح لعياضٍ حلقةٌ دراسيةٌ يديرها وهو لمّا يزلْ في الثانية والثلاثين من عمره.
تولى القضاءَ في سبتة عام 515 للهجرة (1121 للميلاد) وظل فيه ستة عشر عاما، ثم تولى القضاء في غرناطةَ بالأندلس. حسنت سيرته بين الناس، وكانت سنين جلوسه للقضاء سنين خير على الناس أقام فيها العدل وأحسّ الناس معه بالأمان.
وفي مجال الحديث وروايتِه، تحقّق له ما لم يتحقق إلا لشيوخ رواية الحديث الشريف، فقد قاده سعيُه الحثيث لسماع الحديث من كبار العلماء، إلى تحقيق العلوِّ في الإسناد والضبط والإتقان.
أرّخَ لعلماء المذهب المالكي الذي كان ينتمي إليه، فألَّف كتابَه المعروف "تدريبُ المدارك"، الذي يعتبر أكبر موسوعة لعلماء وفقهاء المذهب المالكي ورواة "الموطّأ". بيّنَ في بداية كتابِه، ودافع عن نظرية المالكية في الأخذ بعمل أهل المدينة، باعتبارِه عندهم من أصولِ التشريعِ، وحاول ترجيح مذهبِه على سائر المذاهب. كما ألف كتاب "الغُنية" الذي تناول فيه الأساتذة الذين تتلمذ على أيديهم خلال رحلته لطلب العلم.
أما درّة أعماله وأخلدها، فهو كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" الذي كرّسه لبيان شمائل وفضائل الرسول الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم. ويعد هذا الكتاب، واحدا من أفضل ما كتب في هذا المجال، ويقال إن أهل العلم قالوا فيه "لولا الشفا لما عُرف المصطفى".
ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام: الأول في تعظيم قدرِ النبي قولًا وفعلًا، والقسم الثاني فيما يجب على العباد من حقوقه عليهم، والقسم الثالث فيما يستحيل في حقه، وما يجوز، وما يمتنع، وما يصح، والقسم الرابع في تصرف وجوه الأحكام على من تنقص من قدره أو سبه.
ذكر القاضي عياض في عدد من المراجع التاريخية التي أثنت على علمه وفضله وعدله، مثلِ ابنِ خِلّكان في كتابه "وفياتُ الأعيانِ وأنباءُ أبناءِ الزمان" وأبي القاسم بنِ بشكوال. أما عماد الدين الأصبهاني فقد قال فيه في كتابه "خريدةُ القصرِ وجريدةُ أهلِ العصرِ": كبيرُ الشأنِ، غزيرُ البيانِ.