نازحو ليبيا.. شتاء آخر بالعراء
خالد المهير-بنغازي
في إحدى ضواحي مدينة بنغازي الليبية، يقع "حي تاورغا".. غابة منازل مصنوعة من أنابيب بلاستيكية تحتضن آلاف النازحين من مدينة تاورغا، مضى على بقائهم في العراء ثلاث سنوات منذ الإطاحة بالعقيد الراحل معمر القذافي في أكتوبر/تشرين الأول 2011.
مصباح حامد (52 عاما) نازح من قرية تاورغا شرقي العاصمة طرابلس، أب لعشرة أبناء أصغرهم بالصف الثالث الابتدائي وأكبرهم بالجامعة، وكغيره من النازحين يصارع الحياة لتدبير شؤون أسرته، قبل حلول فصل الشتاء.
ويقول مصباح إنه أحد "ضحايا" ثورة 17 من فبراير/شباط، ويضيف أن برد العام الماضي أدى لوفاة والدته تحت أكواخ الزنك والصفيح. ولوالد مصباح، الحاج حامد (90 عاما) نصيب من هذه المعاناة، روماتيزم يشتد وقعه مع شدة البرد.
القصاص أولا
أهالي مصراتة جارة تاورغا، يتهمون سكان الأخيرة بالمشاركة بالقتال مع كتائب القذافي أيام الثورة، وأنهم متورطون بأعمال "قتل واغتصاب وتشريد وسرقة ممتلكات الأهالي".
ويقول رئيس رابطة ضحايا هجوم تاورغا بمدينة مصراتة، محمد إبراهيم الضراط، إن قضية النازحين أكبر من مشكلة تاورغا ومصراتة.
وأضاف، بحديث للجزيرة نت، أنه يجب "القصاص أولا من المعتدين والمتورطين بأعمال القتل والخطف والتعذيب". وأشار إلى أن المتورطين حوالي سبعة آلاف شخص من أهالي تاورغا، وأكد أنه لا يقبل ولا يرفض رجوع أهالي تاورغا إلى مدينتهم، وخلص إلى أن التسامح يأتي بعد القصاص.
أوضاع "مزرية"
وفق الإحصائيات الرسمية يعاني نحو 17 ألف عائلة، أي ما يقارب من سبعين ألف شخص، من 14 قرية ومدينة يقطنون أحياء دون ماء ولا كهرباء، بالعاصمة طرابلس وبنغازي ومدن أخرى.
ويُقر مسؤول ملف النازحين بالمؤتمر الوطني العام مرعي بو رحيل بأن أوضاع النازحين "مزرية". ويقول للجزيرة نت إن غياب آلية واضحة بالتعامل مع ملف النازحين ساهم بشكل واضح في تشتيت الجهود الرسمية حيالهم، حيث تركز اهتمام الدولة في توفير الراتب والأكل والشرب.
ويتحدث بو رحيل عن "روتين قاتل" بالدوائر الرسمية، فشراء عشر حقائب مدرسية -على سبيل المثال- يستدعي المرور على عدة مقرات إدارية ومالية وتوقيعات كثيرة، تغطي هذه المعضلة الآن، لتغطية احتياجات النازحين بالسرعة المطلوبة.
وذكر أن الدولة خصصت 39 مليون دينار ليبي (الدولار يساوي 1.28 دينار) لشراء مائتي منزل متنقل لتوزيعها في بنغازي، وأكد أن الأولوية لإيجاد سكن صحي قبل هطول الأمطار، لأن رجوع هؤلاء إلى مدينتهم قبل تطبيق قانون العدالة الانتقالية بعيد المنال.
ونبه بو رحيل إلى أن النازح الليبي يفضل السكن بكوخ "متهالك" ولا يسكن في بيت خرساني بسبب خوفه من عدم الرجوع لبيته وقريته وأرضه. وهذا ما جرى معهم حين قررت الحكومة قبل عدة أيام بناء خمسمائة وحدة سكنية لنازحي تاورغا بعدة مدن، الأمر الذي قوبل بالرفض.
انتهاكات خطيرة
رئيس لجنة المتابعة بالمرصد الليبي لحقوق الإنسان توفيق العكروت تحدث للجزيرة نت عن انتهاكات "خطيرة" لحقوق الإنسان تجري مع النازحين، وأن أجسادهم مباحة للتعذيب والخطف والقتل.
ويقول إنه من خلال زياراته المتكررة لمواقع النازحين بمدن الشرق والغرب والجنوب، فإنهم يشتكون من الأمراض المزمنة وظروف حياة قاسية، مشيرا إلى أن الأحداث الأخيرة خلفت عائلات من دون عائل "لا زوج ولا أب ولا أخ".
وأكد العكروت أنهم سجلوا عمليات نزوح مؤخرا بمناطق الجميل والعجيلات بضواحي طرابلس نتيجة تصفية حسابات شخصية تحت غطاء معاداة ثورة الـ17 من فبراير/شباط.
وحذرت مصادر حقوقية ليبية من أن يتحول ملف النازحين لملف دولي، وتحدثت عن اجتماعات سرية بين جهات حقوقية محلية ودولية لجمع بيانات النازحين لاستخدامها ورقة ضغط على ليبيا.