الراعي: هناك مخطط لتفتيت العالم الإسلامي


أحمد السباعي – الدوحة
حاملا معه هم كشف مصير المطرانَين والكهنة الثلاثة المختطفين في سوريا، جاء بطريرك انطاكية وسائر المشرق الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى قطر بدعوة رسمية من أميرها. هدوء الرجل وابتسامته الدائمة لم يخفيا قلقه على المسيحيين في الشرق وعلى لبنان من تداعيات الأزمة السورية وخاصة موضوع النازحين الذين أصبحوا يشكلون "خطرا" على بلاد الأرز.
اللقاء مع الراعي يشعرك بأنك لست في حضرة رجل دين فحسب، بل تحاور سياسيا من الطراز الرفيع ملما بكافة تفاصيل المشهد المحلي والإقليمي والدولي. "جئت إلى قطر لشكر الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على وساطته في إطلاق سراح اللبنانيين التسعة الذين كانوا مخطوفين بمدينة إعزاز السورية والطلب منه، المساعدة في الإفراج عن المطرانَين بولس اليازجي ويوحنا إبراهيم المخطوفين بسوريا منذ أبريل/ نيسان والكهنة الثلاثة المخطوفين منذ فبراير/شباط" يقول البطريرك للجزيرة نت.
ولكن ما يؤخر مسألة الإفراج عنهم -حسب البطريرك- أن مكانهم مجهول، ولا أحد يتبنى اختطاف المطرانَين، أو يعلن مطالبه للإفراج عنهما، ورغم هذا تلقى الراعي وعدا رسميا من الشيخ تميم بالمساعدة على إطلاق سراحهما.
ويتحدث البطريرك عن أن حوالي مليوني نازح سوري وفلسطيني موجودون بلبنان، أي أن عدد النازحين يساوي نصف عدد اللبنانيين، ورغم رفضه المبدئي لإغلاق الحدود أمام النازحين أقر بأنهم أصبحوا يشكلون "خطرا وعبئا اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا" على لبنان.
"اللبنانيون يهاجرون لعدم وجود فرص عمل في الداخل، والمطلوب منه (لبنان) أن يتحمل نصف مليون فلسطيني ومليون ونصف سوري" يوضح الراعي، ويضيف أن على المجتمع الدولي مساعدة لبنان في تحمل أعبائهم.
أما من الناحية الأمنية، فيُبدي البطريرك تخوفه من وجود نازحين غير منضبطين، وهذا ما يؤدي إلى انفلات أمني وخصوصا مع تفشي السلاح بلبنان والخوف من استغلال النازحين -الذين ينتمون إلى دين ومذهب معين- في إطار الصراع السياسي المذهبي الذي يجتاح العالم العربي، واصفا استمرار الحياة بلبنان في ظل هذه الأجواء بأنه "أعجوبة".
قتال حزب الله
الخوف على ثقافة لبنان واللبنانيين من النازحين السوريين وخصوصا "في حال هجرة اللبناني لمجتمعه واصطحاب النازحين معهم ثقافة غريبة عن المجتمع وفرضها على لبنان" كانت حاضرة في لقاء البطريرك مع الجزيرة.

وقد طالب الدول التي تتدخل بالشأن السوري وتسلح وتحرض الأطراف المتنازعة، بالكف عن هذا الأمر والعمل على مساعدة النازحين بتعليمهم مهنة تعينهم في حياة النزوح.
وطرح البطريرك حلا يقضي بنقل النازحين إلى مناطق آمنة بالداخل السوري، لتجنيب لبنان المشاكل السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية. ولكنه شدد على رفضه استعداد دول عدة لاستقبال النازحين، لأن "هذا يهدف لتفريغ سوريا من شعبها وثقافتها".
ولخص البطريرك مشهد النازح السوري بلبنان قائلا "أنا كبشارة الراعي هُجرت من منزلي، طرقت الباب وأنتظر أن يفتح لي، على الذي فتح الباب مسؤولية تنظيم الواقع، كي لا أكون عالة أو أداة لتخريب منزله".
وفي موضوع مشاركة حزب الله في القتال في سوريا يؤكد البطريرك أن الكنيسة والحكومة والشعب اللبناني ضد تدخل الحزب وأي طرف لبناني "بالحرب السورية"، لأن اللبنانيين "سئموا الحرب ولغتها وأدواتها، فمن جرح من الحرب يعرف ويلاتها".
ولفت البطريرك إلى أنه تناول مع رئيس الوزراء القطري الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، ما سمعه عن تضييق على التأشيرات التي تمنح للبنانيين بسبب الأزمة السورية، وأوضح أن رئيس الوزراء لم يربط هذا الموضوع بتدخل حزب الله في القتال بسوريا، وأن الشيخ عبد الله شدد على تقديره للجالية اللبنانية وأكد أن قطر تُسهل قدوم اللبنانيين بوصهم عناصر فعالة بالمجتمع القطري دون التدخل بالسياسة، وعبر رئيس الوزراء -وفقا للبطريرك- أيضا عن تفهمه للأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان وحاجة الشباب اللبناني إلى السوق القطرية بسبب غياب فرص العمل بلبنان.
وأعرب الراعي عن أسفه لتدهور الأوضاع في سوريا "وعدم إيجاد السوريين لغة مشتركة للحديث والحوار والتواصل فيما بينهم لحل أزمتهم بأنفسهم" لأن التدخل الخارجي لم يكن هدفه يوما "الإصلاح بل التدمير والخراب".
المسيحيون بالشرق
الخوف من تفريغ الشرق من المسيحيين جعل البطريرك يؤكد أنهم ليسوا أقليات في المنطقة بل هم أصيلون بحكم المواطنة وهم قدموا إلى هذه المنطقة قبل المسلمين بستمائة عام، "نحن لدينا دور أساسي ورسالة وثقافة زرعناها بهذا الشرق، نريد حقوقنا باسم المواطنة، لا نريد حماية من أحد، ولا تستطيع أن تحاكمني باسم الدين، الغرباء في أرضهم هم الأقلية، أما نحن فمواطنون أصيلون بهذه الأرض ولسنا دخلاء عليها".

أما عما يجري في دول الربيع العربي وتحديدا استهداف المسيحيين، فيتساءل البطريرك "لماذا يُعتدى على المسيحيين دائما في حالات الفوضى؟" المسيحي ليس تابعا أو مساندا للنظام السياسي بالبلدان العربية -يوضح الراعي- بل هو مواطن يحترم الأنظمة ويعرف كيف يتعامل معها وهذا ما يدفع النظام لمبادلته الاحترام، وهذا حصل بالعراق أيام الرئيس الراحل صدام حسين وهو ما يحصل الآن بسوريا.
فدين الدولة هو الإسلام، والقرآن مصدر الشريعة والقوانين في الدول العربية، وهذا يحترمه المسيحيون ويخضعون له، ولا يتعاطون السياسة لأنهم يعرفون أن ذلك ينعكس سلبا عليهم وعلى وجودهم، حسب البطريرك.
ولكن ما الذي يخشاه المسيحيون في العالم العربي؟
يجيب البطريرك "أن يكون القادم أسوأ من الأنظمة الحالية"، وضرب مثلا ما يجري بمصر "المظاهرات الشعبية العفوية -التي دعمناها- تبخرت وحل مكانها حركات أصولية تقتل وتدمر وتحرق". واعتبر أن المسيحيين لم يدعموا طرفا ضد آخر في أي نزاع، "فهم يسيرون بين النقاط" كي لا يُحملوا أي مسؤولية لإراقة الدماء وزهق الأرواح.
وتابع البطريرك أن هناك مخططا لتفتيت العالم الإسلامي وإضعافه، ومحاولات لإنشاء دويلات طائفية ومذهبية وإذكاء الخلافات الداخلية بين أصحاب الدين الواحد (سنة وشيعة، معتدلون ومتطرفون)، ورغم تأكيده أن المسلمين والمسحيين سواء في دفع ثمن الحروب والنزاعات، يقول إن المسيحيين عددهم قليل ولا يتحملون العيش في العنف والقتل والتدمير، فيهاجرون وعندما يهاجر المسيحي يخسر العالم الإسلامي جزءا أساسيا من ثقافته، واستشهد بكلام للشيخ تميم يؤكد فيه إدراك قطر لأهمية الوجود المسيحي في العالم العربي من أجل الحضارة الإسلامية.
الفراغ والحكومة
الشأن اللبناني شغل حيزا أيضا في لقاء الجزيرة بالراعي فعبر عن أسفه لاستخدام بعض اللبنانيين مفردة "الفراغ"، فالبلاد تملك دستورا وقوانين وديمقراطية أبرز معالمها هو التداول السلمي للسلطة.
وأشار إلى أن لبنان مقبل في شهر مايو/أيار على انتخاب رئيس جمهورية جديد، ورأى أن من يتكلم عن الفراغ يحمل "نوايا غير سليمة"، ودعا لإقرار قانون انتخابات جديد مجددا رفضه التمديد للمجلس النيابي وتعطيل المجلس الدستوري.
وفي موضوع تشكيل الحكومة بعد أشهر من تكليف الرئيس تمام سلام، يرى البطريرك الراعي أن السني في لبنان مرتبط سياسيا وعضويا بالسعودية، أما الشيعي فمرجعيته السياسة هي إيران وهذا مغاير للمسيحيين الذين لا يرتبطون بالخارج، حسب قوله.
وتساءل عن أهمية مصطلح السيادة، طالما لا يستطيع اللبنانيون تشكيل حكومة في الداخل من دون الاتفاق بين سوريا والسعودية سابقا والآن بين إيران والسعودية، فمصالح الدول المتضاربة تؤخر تشكيل الحكومة واللبناني هو من يدفع ثمن هذا.
البطريرك الراعي الذي زار الدوحة في مارس/آذار من العام الماضي، حيا قطر على التطور والتقدم الذي تشهده البلاد "كل أسبوع وكل شهر وكل سنة"، وشكر الأمير على منح الكنيسة المارونية قطعة أرض مساحتها 10 آلاف متر مربع في الدوحة لإقامة أول كنيسة مارونية بالبلاد.