مخاوف بشأن إدارة العدالة الانتقالية بتونس


مراد بن محمد-تونس
أعلنت الرئاسات الثلاث في تونس عن إطلاق الحوار حول العدالة الانتقالية، وهي إحدى الآليات التي اختارتها البلاد لتصفية تركة الماضي من خلال كشف أحداثه ورد الاعتبار للضحايا، يأتي هذا وسط مخاوف من "عدم جدية" لإتمام هذا المسار للنهاية.
وعلى الرغم من التفاؤل الظاهر لدى الجهات الرسمية والتي تؤكد أن لديها "الضوء الأخضر" للخوض في كل الملفات ومعرفة جميع الحقائق وكشفها للناس، فإن جمعيات المجتمع المدني أبدت تحفظات مما أسمته تسريبات عن "تسويات حصلت وأخرى في الطريق" مما يوحي بأن الحكومة قد تذهب للمصالحة قبل المساءلة أو الاقتصار على التعويضات من دون معرفة الحقيقة كما حدث في تجارب بلدان أخرى.
الحقيقة والتعويض
وتقول المسؤولة عن مركز تونس للعدالة الانتقالية سهام بن سدرين "قلب وروح العدالة الانتقالية هو حفظ حق الضحايا". وأشارت إلى أن جبر الضرر ليس بالتعويض فقط وإنما بإعادة الاعتبار ومعرفة الحقيقة والإنصاف، واعتبرت أي مسار يتجاوز هذه الثلاثية يعتبر فاشلا.

وشددت بحديثها للجزيرة نت على أهمية معاينة الفعل وتحديد الجاني ثم معرفة الحقيقة بما يعني الوصول للأرشيف ثم إصدار العقاب، والذي يجب أن يرضي في نفس الوقت المتضرر والجاني لضمان عدم العودة لنفس الممارسات.
وفي نفس السياق، يرى عضو هيئة إدارة رابطة حقوق الإنسان العياشي الهمامي أن تونس أمام فرصة تاريخية وفرها الشعب، ويمكن فيها مراجعة جميع الملفات خاصة المسكوت عنها "حتى لا يبقى أي ضحية لا يعرف من عذبه أو من انتهك حقوقه".
ويقول الهمامي إن مسألة معرفة الحقيقة ليس الهدف منها التشفي أو الانتقام بل الاعتراف بالانتهاك ثم طلب الاعتذار والتعويض الذي يراه إما فرديا أو جماعيا "والذي ينطبق على ملف الحوض المنجمي".
مخاوف مسنودة
وأبدت سهام بن سدرين مخاوف من عدم جدية الحكومة في المضيء بعيدا في مسار العدالة الانتقالية، قائلة "نسمع الكثير من الخطب وقليلا من الفعل" كما أشارت إلى ما أسمته "محاولات اختزال هذه الآلية في التعويض المادي فقط، وهو أمر غير سليم".

وتستند المسؤولة إلى مبادرة حصلت بالفعل وفق قولها مع مروان المبروك رجل الأعمال وصهر الرئيس السابق زين العابدين بن علي "الذي يبدو أن ملفه قد أغلق. وعلى الرغم من أن هذا قد يكون سليما، لكن لا يجب أن يكون محاطا بالسرية حول الآلية التي تمت بها التسوية خاصة أن الفساد المالي يشمله مسار العدالة الانتقالية".
كما عبرت عن مخاوفها من حضور المسؤول عن مسار العدالة الانتقالية في المغرب، وهو الضيف الوحيد، الأمر الذي قد يشير إلى اعتماد هذه التجربة "التي تعتبر فاشلة مقارنة بالتجارب الأخرى كونها لم تفض إلى معرفة الحقيقة وإنما اقتصرت على التعويض فقط".
وفي نفس السياق، يرى الهمامي أن الاستقلالية أهم تحد قد يعترض هذه الهيئة التي "بيدها تاريخ تونس، وعليها أن تكون قادرة على البحث ومواجهة الجاني بالضحية ثم القدرة على كشف الحقيقة".
جدية التبني
ويقول المكلف بملف العدالة الانتقالية بوزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية محسن السحباني إن حكومته تعتبر إنجاح المسار الانتقالي منوطا بنجاح مسار العدالة الانتقالية، مشيرا إلى أن من يريد الاستفادة عليه الاطلاع على التجارب الناجحة والتي حققت نصف نجاح "حتى نتجاوز الأخطاء ما أمكن".

وأشار إلى أن قانون العدالة الانتقالية مدعوم من الرئاسات الثلاث و"سيناقش تحت قبة المجلس التأسيسي في جلسة علنية، ولا أتصور وجود إرادة سياسية أقوى من هذه للتعبير عن الجدية في تبني هذه الآلية التي ستقينا العودة لتلك الحقبة البغيضة".
وأرجع السحباني مخاوف المجتمع المدني إلى مخاوف من هيمنة الدولة على هذا الملف. وأكد أن هذه المخاوف ستختفي بمجرد الاطلاع على القانون المنظم لهذه الهيئة.
وأوضح أن تونس ستحاول رسم آلية تونسية للعدالة الانتقالية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية ملفات الفساد والتعذيب في تونس بالإضافة إلى خصوصية الثورة التي أطاحت برأس النظام، مشيرا إلى أن جميع الملفات ستعرض على اللجنة مع حفظ حق المتضرر للعودة للقضاء العادي في حال عدم الرضا عن الحكم.