أزمة المنظمات تتصاعد في مصر


أنس زكي-القاهرة
ربما يكون السماح للمتهمين الأميركيين في قضية منظمات المجتمع المدني بمغادرة مصر قد أدى إلى تخفيف حالة التوتر بين القاهرة وواشنطن، لكن المؤكد أن هذه المغادرة والطريقة التي تمت بها تسببتا في حالة من الغضب لدى كثير من فئات الشعب المصري.
ورغم أن المتهمين الأجانب غادروا مصر الخميس الماضي فإن تداعيات ذلك ما زالت تتوالى، سواء داخل البرلمان، أو مؤسسات القضاء، أو بين القوى السياسية المختلفة، أو عبر وسائل الإعلام المحلي التي أفردت لهذه القضية اهتماما بارزا، رغم تزامنها مع موضوعات حيوية يتقدمها تشكيل الجمعية التأسيسية التي تتولى كتابة الدستور الجديد.
وبدأت القصة بمداهمة مقار عدد من منظمات المجتمع المدني العاملة في مصر التي كان معظمها أجنبيا أو مرتبطا بجهات أجنبية، حيث تم التحقيق مع مسؤوليها في تهمة العمل وتلقي تمويل من الخارج دون ترخيص، وانتهى الأمر بإحالة المتهمين إلى القضاء، ومن بينهم مصريون وأجانب يتقدمهم الأميركيون الذين كان من بينهم آدم صموئيل لحود نجل وزير النقل الأميركي.
ولم يتم القبض على الأميركيين الذين قيل إنهم لاذوا بسفارة بلدهم في القاهرة لكن القضاء أمر بمنعهم من مغادرة مصر، مما أثار أزمة مع واشنطن التي هدد عدد من مسؤوليها بقطع المعونة الأميركية عن القاهرة، فيما رد مسؤولون مصريون بغضب على ذلك، ووصل الأمر برئيس الحكومة كمال الجنزوري إلى القول بأن مصر لن تركع أمام الضغوط.
مصادر قضائية كشفت عن حملة تجري حاليا لجمع توقيعات بهدف عقد جمعية عمومية لمحكمة استئناف القاهرة لمحاسبة رئيسها لدوره المفترض في القضية |
القاضي يتنحى
وأثار الموقف حمية كثير من المصريين، فأعلن الداعية الإسلامي محمد حسان مبادرة لجمع تبرعات للاستغناء عن المعونة الأميركية، لكن الجميع فوجئوا بإعلان القاضي محمد محمود شكري تنحيه عن نظر القضية مبررا ذلك باستشعاره الحرج، قبل أن تذكر تقارير إعلامية أن السبب هو تعرضه لضغط من رئيس محكمة استئناف القاهرة عبد المعز إبراهيم الذي طالبه بإصدار قرار يسمح للمتهمين الأميركيين بالسفر.
وفي اليوم التالي، تلقى المصريون مفاجأة أكبر تمثلت في السماح للأميركيين بمغادرة مصر، وهو ما تبين أنه تم عبر إحالة رئيس الاستئناف للقضية إلى دائرة أخرى انعقدت على عجل وأصدرت قرارها في نفس اليوم، بينما كانت طائرة أميركية قد وصلت إلى مطار القاهرة لنقل المتهمين إلى خارج مصر.
البرلمان المصري -الذي ناقشت ثلاث من لجانه هذه القضية أمس- شهد هجوما على الحكومة والمجلس العسكري الحاكم، واعتبر العديد من النواب أنهما خضعا للضغوط الأميركية، وخيبا آمال المصريين بعد سلسلة من التصريحات بأن مصر لن تتراجع عن موقفها.
وفي الوقت نفسه، كشفت مصادر قضائية عن حملة تجري حاليا لجمع توقيعات بهدف عقد جمعية عمومية لمحكمة استئناف القاهرة لمحاسبة رئيسها الذي تدور حوله الشبهات في ممارسة الضغط على القاضي، كما تلقت وزارة العدل والنائب العام العديد من البلاغات للمطالبة بتحقيق يكشف ملابسات القضية.
ومن جانبها، دعت حركة شباب 6 أبريل إلى وقفة احتجاجية مساء اليوم الاثنين أمام دار القضاء العالي تتبعها مسيرة إلى مقر البرلمان، وقالت عضو المكتب السياسي للحركة إنجي حمدي للجزيرة نت إن المحاسبة باتت أمرا ضروريا بعدما شاهدناه من تدخل فج للسلطة التنفيذية في قرارات القضاء، وتساءلت "كيف نثق في القضاء بعد كل هذا خاصة أن هذا القضاء هو الذي سيشرف على الانتخابات الرئاسية المقبلة؟".
أما حزب الحرية والعدالة -المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، وصاحب الأكثرية البرلمانية- فقد دعا وزير العدل والنائب العام إلى توضيح الحقيقة فيما يتعلق بسفر المتهمين الأجانب في قضية المنظمات، وقال رئيس الهيئة البرلمانية للحزب حسين إبراهيم إن الأمر يحمل في طياته تدخلا واضحا في الشأن الداخلي المصري وكذلك في أعمال القضاء.
وفي الوقت نفسه، ردت جماعة الإخوان على تصريحات السيناتور الأميركي جون ماكين الذي ألمح إلى دور للجماعة في المساعدة في سفر الأميركيين، وقال المتحدث الرسمي باسمها محمود غزلان إن هذه التصريحات عارية عن الصحة تماما، وتهدف إلى الإساءة للإخوان وتشويه صورتهم.
وقال غزلان إن السماح للمتهمين بالسفر مقابل كفالة مالية، وترحيلهم على متن طائرة عسكرية أميركية نزلت في مطار القاهرة دون إذنٍ مقابل غرامة مالية، ينبئ بأن المسؤولين المصريين يقايضون الكرامة الوطنية التي لا تقدر بأموال الدنيا بثمن بخس.

خطأ وجريمة
ويرى الناشط الحقوقي ومدير المركز العربي لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد أن قضية المنظمات "بدأت بخطأ هو استهداف المنظمات لأغراض سياسية، وانتهت بجريمة هي السماح للمتهمين الأميركيين بالسفر بهذه الطريقة المهينة".
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال عيد إن قضية المنظمات كان يمكن حلها عبر إصدار تشريع جديد عادل للمجتمع المدني يسري على المنظمات الدولية، بحيث يسمح للمنظمات بالعمل بحرية، وفي نفس الوقت يسمح بالشفافية والرقابة، سواء على التمويل أو الإنفاق، على أن تتم هذه الرقابة من جانب القضاء.
وكشف عيد أن المنظمات تطالب منذ عام كامل بإصدار هذا التشريع من أجل تلافي السلبيات الموجودة، ومن بينها ممارسة بعض المنظمات عملها دون ترخيص، لكن السلطات تجاهلت الأمر ثم بدأت حملتها على المنظمات.
ومع وصفه للقضية الحالية بأنها سياسية وملفقة، فإن عيد لا يوافق على الطريقة التي تم السماح بها للمتهمين الأجانب بمغادرة مصر، ويرى أنها كانت مهينة خاصة للسلطات العليا التي تتشدق دوما بدفاعها عن السيادة الوطنية، كما أنها كشفت مجددا أن مصر فيها الكثير من القضاة المحترمين، لكن ذلك لا يعني وجود استقلال كامل للقضاء.